الوصف
الأبيات:
إنَّ المَقُولاَتِ لَدَيْهِمْ تُحْصَرُ = في الْعَشْرِ وَهْيَ عَرَضٌ وَجَوْهَرُ
فَأَوَّلٌ لَهُ وُجُودٌ قامَا = بِالْغَيْرِ وَالثَّانِي بنفس دَامَا
مَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بالذَّاتِ فَكَمّْ = وَالْكَيْفُ غَيْرُ قابِلٍ بِهَا أرْتَسَمْ
أيْنٌ حُصُولُ الْجِسْمِ في المَكانِ = مَتَى حُصُولٌ خُصَّ بِالأزْمَانِ
وَنِسْبَةٌ تَكَرَّرَتْ إضَافَةْ = نَحْوُ أبُوَّةٍ إخا لَطَافَهْ
وَضْعٌ عُرُوضُ هَيْئَةٍ بِنِسْبَةِ = لِجُزْئِهِ وَخَارِجٍ فَأَثْبِتِ
وَهَيْئَةٌ بِمَا أحَاطَ وَانْتَقَلْ = مِلْكٌ كَثَوْبٍ أو إهَابٍ اشْتَمَلْ
أنْ يَفْعَل التَّأْثِيرُ أنْ يَنْفَعِلاَ = تَأثُّرٌ مَا دَامَ كُلٌّ كَمَلاَ
نموذج:
1 ـ إِنَّ المَقْولاتِ لَدَيْهِمْ تُحْصَرُ فِيْ الْعَشْرِ وَهْيَ عَرَضٌ وَجَوْهَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقولات جمع مقولة، وأصل المقولة وصفٌ من القَوْل بمعنى الحَمْل – أي الحقيقة المحمولة على غيرها سواء أكانت جنسية أو نوعية كلية أو جزئية – .
و ( المقولة ) اصطلاحاً : اسم للجنس العالي للموجود الممكن . فـ ( الجنس ) يُخرج النوع والجزء و ( العالي ) يُخرج الجنس السافر والمتوسط والجنس الفرد – وهو ما ليس فوقه جنس وتحته أنواع كالعقل و ( للموجود ) يُخرج الجنس الفَرَضي المعدوم . و ( الممكن ) يُخرج الموجود الواجب .
(2) لديهم: الميم للجمع ، والضمير يعود على الحكماء .
* تنبيه: الاصطلاح وقع من الحكماء على التسمية بالإفراد ـ أي: المقولة ـ لا بالجمع ـ أي المقولات ـ إلا أن الجمع تابع للمفرد.
(3) تُحْصَرُ: من الحَصر، وهو جمع أفراد الكلي بحيث لا يخرج عنها شيء.
(4) الحَصْر في العشر هو المشهور . وطريق حصر المقولات – أي الأجناس العالية – في العشر بواسطة انحصارها في الجوهر والعرض فإذا تَمََّ تََمَّ وإلا فلا.
عليه فثمَّة شيئان :
– الأول : حصر المقولات في الجوهر والعرض وذلك أن الموجود الممكن الذي هو أجناس عالية له إما أن يوجد في موضوع أوْلا ، فالأول العرض والثاني الجوهر.
– الثاني : حَصْر المقولات العَرَضية في التسعة – وهي الكَمّ , والكَيْف , و الإِضَافة ، و المكان ، والزمان ، و الوَضْع ، و المِلْك ، والفعل ، و الانفعال – .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي دعوى تشتمل على مقدمتين :
ـ أحدهما : أن هذه التسعة أجناس عالية .
ـ والثاني : أنه ليس للأعراض جنس عالٍ سوى التسعة .
ثم إن حصر المقولات دليلة الاستقراء ، واختُلِفَ هل هو تام أم ناقص ؟ ومعلوم أن ( الناقص ) يُنْقَضُ بالوقوع ـ أي تحقُّقه ـ بخلاف ( التام ) فإنه يُنْقَضُ بالجواز والوقوع لأنه عقلي وذاك وقوعي . فمن قال إنه ناقص أراد قيام الجواز العقلي . فتنبه !.
فائدة: الاستقراء هو ما يُتَتَبَّع فيه أحكام الجزئيات ليُتوصل بها إلى الحكم الكلي .
(5) وَهْي : بتسكين الهاء حتى لا يَنْكَسر الوزن .
(6) عَرَض: بفتحتين . وجَوْهَرُ : بفتح الجيم وتسكين الواو وفتح الهاء فراءٌ مُهْمَلةٌ غَيْرُ منوَّنةٍ حتى يتطابق السَّجع مع قوله ( تُحْصَرُ ).
والمعنى من ( الجوهر ) ذات الشيء وحقيقته، فيكون ذاتياً ، بخلاف ( العرض ) فإنه معناه ما يَعْرِض للمَوْضُع ـ أي : المُسْنَد إليه ـ ، ومعلوم أن عروض الشيء للشيء إنما يكون بعد تَحَقُّق حقيقته ، فلا يكون ذاتياً لما تحته من الأفراد .
* تنبيه:
قال الشِّهَاب الخفاجي : ” استعمال ( الجوهر ) المقابل ( العرض ) مُوَلَّدٌ وليس في كلام العرب بهذاالمعنى. وأما الجوهر المعروف ـ أي : اللؤلؤ ـ فَمُعَرَّبٌ ، وقيل عربي ” أ.هـ .
قال الناظم
2 ـ فَأَوَّلٌ لَهُ وُجُوْدٌ قَامَا بِالغَيْرِ، وَالْثَّانيْ بِنَفْسٍ دَامَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أولٌ بالتنوين ـ حتى لا ينكسر الوزن ـ ( هو ) العَرَض، لقوله : ” وهْيَ عَرَضٌ وَجَوْهَرُ “.
(2) اللام للاختصاص، وهي مضافٌ والضمير المتَّصل مضاف إليه مبني على الضم في محل جَرٍّ.
(3) وجودٌ ـ بضمة مع التنوين ـ حال من الضمير المجرور، أو خَبَرٌ أَوَّلُ . والوجود هو تحقق الشيء في الذهن أو في خارج الذهن .
ثمَ إن الموجود للشيء يأتي على مناحٍ :
– أولها : الوجود النفسي . وهو تحقُّق وجود الشيء بنفسه دون ارتباط بشيء آخر .
مثاله : وجود الجوهر .
– وثانيها : الوجود الرَّابطي. وهو تحقُّق وجود الشيء بنفسه مع ارتباطٍ بشيء آخر .
مثاله : وجود الأعراض كالسواد .
– ثالثها : الوجود الرَّابطي الإِنتِزَاعي . وهو مالت تحقُّق له بنفسه بل ثبوته بثبوت مَنْزَعِهِ .
مثاله : الأمور الإعتبارية القائمة بِمَحَالِّها كالعَمَمى ، فإنه لا يتَّحد بموضوعه ـ المسند إليه ـ لا خارجاً ولا ذهناً .
(4) أي قائم . وفعل : قاما يُرْسم بغير ألف مُشالة في آخره ، ولكن لحقته هنا ليتفق مع رسم كلمة ( داما ) في عجز البيت .
(5) الباء للملاصقة ، و ( أل ) لا تدخل على كلمة ( غير ) على المشهور ، وجزم به الأكثر .
إلا أن الناظم رحمه الله تعالى أدخلها عملاً بقولٍ يُجوِّز ذلك ، وسَنَدُ هذا القول : أنه يجوز وصف ( غير ) بالمعرفة كما في كونها تضاف إليها ـ أي : المعرفة ـ فعُوْمِلَت مُعَامَلتها. ومنعه الجمهور بفساد القياس ، وقالوا لا فائدة من دخول ( أل ) على ( غير ) بخلاف إضافة المعرفة إليها ـ أي: غير ـ ، فإن الإضافة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفيدها التخصيص . وأورد المجوِّز على سَنَد الجمهور في المنع: أن الإضافة إلى المعرفة من شأنها أن تفيد التعريف كالأداة ، فَلِمَ قيل بإفادتها التخصيص دون ( أل ) ؟!
وحاصل قول الناظم ( له وجود قاما بالغير ) الجمع ين شيئين في تعريف العَرَض.
وهما : الوجود والقيام بالغير . ومراده بـ ( الغير ) ـ كما صرح في :” الشرح ” ـ المتحيز قال الإيجي رحمه الله تعالى في : ” المواقف ” : ” أما عندنا فالعرض موجود قائم بمتحيز” أ.هـ
وشرحه السيد الجرجاني رحمه الله تعالى بقوله : ” هذا هو المختار في تعريف العرض؛ لأنه خرج منه الأَعدَام ـ أي : العدم ضد الوجود ـ والسُّلُوب إذ ليست موجودة ، والجوهر إذ هي غير قائمة بمتحيز ، وخرج ذات الرب وصفاته ” أ.هـ
ومعلومٌ أن القول : إن الجوهر قائم بمتحيز باطل ؛ لأنه ينتهي إلى التسلسل الممتنع , وذلك أنه لا بد أن يقوم التحيز أولاً بالجوهر حتى يتبعه غيره الذي هو نفس التحيز في التحيز وأن قلنا بتعدد التحيز القائم بالجوهر فيكون قيام كل تحيزٍ مشروطاً بقيام تحيز قبله ، وهكذا إلى غير نهاية .
* تنبيه :
للعَرَض أحكام تخصُّه , منها ما يلي :
ـ أولاً : العرض لا ينتقل من محل إلى محل آخر ؛ لأن الانتقال حصول الشيء في حيز بعد أن كان في حيز آخر وهذا لا يتصور إلا في المتحيز بالذات ، والعرض ليس كذلك فلا ينتقل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ ثانياً : العرض لا يقوم بعرض ؛ لأن قيام الصفة معناه تحيز الصفة تبعا لتحيز الموصوف وهذا لا يتصور إلا في المتحيز بالذات ؛ لأن المتحيز بتبعية غيره لا يكون متبوعاً بثالث إذ كونه متبوعاً لذلك الثالث أولى من كونه تابعاً له فلا يقوم به غيره .
ـ ثالثاً : العرض لا يبقى زمانين ، بل يتجدد وينعدم شيئاً بعد شيء ؛ لأنه علة حاجة الممكن إلى المؤثّر هي الإمكان ، والممكن محتاج إلى المؤثّر ـ وهو الصانع ـ في وجوده وفي بقاء وجوده لإمكانه ، إذ لا قِوَام للممكن بالذات .
ـ رابعاً : العرض الواحد بالشخص لا يقوم بمحلين ؛ ولأن العرض الواحد إنما يتعين و يتشخَّص بمحله ، فلو قام بمحلين لم يكن واحداً بل كان الواحد اثنين وهو مُحالٌ ، بل ضروري البطلان لما فيه من الجمع بين النقيضين ، وهما : قيام العرض بمحلٍ مع قيامه بعينه بمحل آخر.
(6) والثانيْ ـ بتسكين الياء التحتية رعاية للوزن ـ هو الجوهر .
(7) بنفسٍ داما : أي : الدائم بنفسه . قال الناظم في ” الشرح ” : “أي : ثبت وقام بنفسه ” .
والمراد: الموجود المستغني عن محل يقوم به. وقوله ( ثبت ) من الثبوت ، أخذه من معنى الدوام في النظم. وقوله ( قام بنفسه ) فمأخوذ من المقابلة بـ ( العرض ) ، والعرض هو القائم بغيره على ما تقدم . ومعنى ( قيامه بنفسه )في حق الجوهر : أن يتحيز بنفسه غير تابع تحيزه لتحيز شيء آخر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تنبيه:
الجوهر قسمان: الجوهر الفَرْد ، و الجوهر المركب. وذلك أن كل جوهر متحيز وكل متحيز إما أن يقبل القسمة أَوْ لا. فإن قبلها فهو الجسم ـ وهو ما تركب من جزأين فأكثر ـ، وإن لم يَقْبلها فهو الجوهر الفرد ـ أي: غير المركب ـ .
* تنبيه:
للجوهر أحكام تخصه , منها مايلي :
- أولاً: الجوهر قابل للبقاء زمانين فأكثر ، وذلك معلوم بالضرورة ؛ لأننا نُدْرِك بالحِسّ وجود ذواتنا وبيوتنا بعينها دون تبدُّل مع بقائها أزمنة .
- ثانياً: الجوهر لا يتداخل مع آخر على جهة النفوذ والملاقاة من غير زيادة في الحجم . فصريح العقل يأبى تداخل الأجسام بلا زيادة في حجمها ؛ لأنه لزم على عدم الزيادة ما هو باطل ضرورة ، كمساواة الجزء للكل .
قال الناظم
3 ـ مَا يَقْبَلُ القِسْمَةَ بِالذَّاتِ فَكَمْ وَالكَيْفُ غَيْرُ قَابِلٍ بِها ارْتَسَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ( ما ) : موصولية بمعنى ( الذي ) . يَقْبل : ـ بفتح الياء التحتيِّة وتسكين القاف ـ من القبول والمراد به الإمكان .
(2) ( القِسْمَةَ ) : ـ بكسر القاف وتسكين السين المهملة ـاسم من القَسْم , وهو جُزْءُ الشيء . ويُعَرف ( الجُزْءُ ) بأنه ما تركَّب ( الكُلُ ) منه ومِنْ غيره. إلا أنَّ المراد بـ (ما يقبل القسمة) هنا : فرض شيء غير شيء . أي أن الجزء مغاير لهذا الجزء بعد ملاحظة أنهما شيء واحد عما هما في الخارج, والوَهْم هو الذي يُلاحِظ ذلك. ومعلومٌ أنَّ القسمة بالوَهْم تابعة للحِسّ؛ لأن العقل فيها لا يُلاحِظ إلا مقدراً مُعَّينا يُحَلِّله إلى أجزاء مُعَيْنة , ومنه يتبيَّن أن فروض القِسْمة الوَهْميِّة لا تكون إلا جزئية دائماً خلافاً للقِسْمة العقلية فإنها حكم كلي على أيِّ مقدارٍ و مقدارٍ معيَّن بأن يقبل القِسْمة , وكل جزء منه كذلك إلى غير النهاية , وهذه فروض كلية .
(3) ( بالذات ) : أي بذاته لا بالعَرَض , لأن القابل للقِسْمة يَدْخل فيه القَابل بذاته والقابل بالعَرَض فخرج الثاني بقَيْد ( بالذات ) وتَعَيَّنَ الأول . والحكم بالعرض أربعة:
- الأول: مَحَلُّ الكَمّ. كالجسم إذ هو محل بحسب المقدار الحال فيه , أو بحسب العدد إذا كان الجسم متعدداً.
- الثاني: الحالُّ في الكم كالضوء القائم بالسَّطْح ـ الضَّوْء يَظْهر من ذات الشيء خلافاً للنُّور فمن غيره ـ , وكذا الطُّول والقِصَر العارضين للخَطّ.
- الثالث: الحالُّ في مَحَلِّ الكم كالبياض الحالِّ في الجسم .
- الرابع: مُتَعَلَّق الكَمّ كالعلم المتعلِّق بمعلومين .
(4) ( فكم ) : كم بتشديد الميم لأنها اسم ناقص , والقاعدة : أنَّ الأسماء الناقصة إذا جُعِلَتْ أعلاماً شُدِّدَ الحرف الأخير منها , إلا أنَّ الوقف عليها يكون بالسكون كما هُنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكم نوعان :
– الأول: كم متصل. وهو: الذي يمكن أن يُفرض فيه أجزاء تتلاقى على حَدٍّ واحدٍ مشترك بين جزأين منها. وذلك الحد المشترك ذو وَضْعٍ، أي : قابل للإشارة الحِسِّية واقع بين مقدرين يكون بعَيْنه نهاية لأحدهما وبداية للأخر أو نهايةً لهما بأن اعتبر ابتداؤهما من الطَّرَف . فإذا قُسِّم خط إلى جزأين كان الحد المشترك بينهما النقطة , وإذا قُسِّم السَّطْح إليهما فالحد المشترك هو الخط ، وإذا قُسِم الجسم فالمشترك بينهما هو السَّطْح .
– والثاني: كم منفصل. وهو: ما لم يكن بين أجزائه حَدٌّ مشترك وهو العَدَد ، كالعشرة إذا نَصَفْتَها يكون منتهى النصف الخامس ومبدأ النصف الأخر السادس لا الخامس وإلا لم يكن تَنْصِفاً.
* تنبيه:
الكم المتصل أربعة: الزمان, والجسم التعليمي, والسطح, والخط.
وبيان ذلك أن يُقال : الكم المتصل إما غير قَارِّ الذات وإما قارُّ الذات.
فالأول: وهو ـ غير قارِّ الذات ـ : لا يجوز اجتماع أجزائه المفروضة في الوجود وهو الزمان ، فالآن : مشترك بين الماضي والمستقبل .
والثاني: وهو ـ قارُّ الذات ـ : يجوز اجتماع أجزائه المفروضة في الوجود وهو المقدار، والمقدار إما أن ينقسم في الجهات الثلاث ـ أي : الطول والعرض والعُمْق ـ ، أو في جهتين أو جهة
تمت بحمد الله
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.