الوصف
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن أبا جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي(ت/321هـ) رحمه الله تعالى هو: (الطحاوي الإمام العلامة، الحافظ الكبير، محدث الديار المصرية وفقيهها)- كما قال الحافظ الذهبي في:”سير النبلاء”(15/27)-.
وقد ألَّف مُعتقَدا مشهورا، يقول عنه العلامة عبد الغني الغنيمي الميداني رحمه الله تعالى:” العقيدة الشهيرة بعقيدة الطحاوي من أجلِّ ما صنَّف في هذا الشأن , وهذا مما يحتاج إلى برهان, لما أنها مع صغر حجمها,وتقارب فهمها-لم تدع قاعدة من أصول العقائد الدينية إلا وأتت عليه، ولم تترك من أمهاتها ومهماتها إلا وقد صرحت بها أو أشارت إليها“أ.هـ.واتفق أهل السنة على قبول تلك العقيدة، وفي ذلك يقول الإمام السبكي رحمه الله تعالى في: “معيد النعم”(ص/22) : “وهذه المذاهب الأربعة-ولله الحمد-في العقائد واحدة، إلا من لحق منها بأهل الإعتزال أو التجسيم، وإلا فجمهورها على الحق يقرون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول”انتهى.
ومع ذلك فقد أُوردتْ اعتراضات عليها ابتدأها ابن أبي العز الحنفي في شرحه لها، وقد قمتُ بجَمْع تلك الإيرادات وتَفْنيدها وَفْق مقرّرات أهل السنة والجماعة. والله الموفق لا رب سواه.
أنموذج
الإيراد:
اعترض ابن أبي العز على كلمة (قديم) من قول الطحاوي: “قديم بل ابتداء”، حيث قال: ” وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى ” القديم ” ، وليس هو من أسماء الله تعالى الحسنى ، فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن : هو المتقدّم على غيره ، فيقال : هذا قديم ، للعتيق ، وهذا حديث ، للجديد . ولم يستعمل هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره ، لا فيما لم يسبقه عدم ، كما قال تعالى : ( حتى عاد كالعرجون القديم ) . والعرجون القديم : الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني ، فإذا وجد الحديث قيل للأول : قديم … وأما إدخال ” القديم ” في أسماء الله – تعالى- فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام . وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف ، منهم ابن حزم . ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدّم ، فإن ما يقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره . لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به ، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها ، فلا يكون من الأسماء الحسنى . وجاء الشرع باسمه ” الأول ” . وهو أحسن من ” القديم ” ؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له ، بخلاف القديم ، والله تعالى له الأسماء الحسنى” انتهى من “شرح الطحاوية” ص 152
وحاصل الإعتراض شيئان:
-أولهما: أن (القديم) ليس من أسماء الله الحسنى، بل أدخله المتكلمون في أسمائه.
-الثاني: أن (القديم) له معنى في اللغة لا يدل على خصوص ما يُمدح به الله، وهو أن التقدم مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها، وعليه: فلا يصح كونه من الأسماء الحسنى.
التفنيد:
وينقض الإعتراض بأن يقال:
-إن كلمة (قديم) جاءت في جملة وصفية لله سبحانه، وهي قول الطحاوي: “قديم بلا ابتداء”، يقول الغنيمي رحمه الله تعالى في: “شرح الطحاوية”(ص/17) شارحا: “(قديم) قدما ذاتيا (بلا ابتداء) أي: ليس مسبوقا بعدم“ أ.هـ.المراد.وهذا الوصف لا خلاف فيه، يقول مرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى في: “إتحاف السادة المتقين”(2/31) : “أجمعت الأمة على وصفه تعالى به-أي: القديم-“أ.هـ.المراد.وذلك لأنه اطلاق لمفهوم كلي صادق على الله تعالى، ومثله لا يحتاج لتوقيف؛ لذا تجد ابن القيم رحمه الله تعالى –وهو ممن يعتمده ابن أبي العز في شرحه- يقول في: “بدائع الفوائد”(1/132) : “أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيا كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه . فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية ، أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع ” انتهى
وحَمْل ابن أبي العز كلمة (قديم) على التسمية موافق لقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في: “منهاج السنة” (2/68(“ : “فهذا اللفظ –يعتي: القديم-لا يوجد لا في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، بل ولا جاء اسم القديم في أسماء الله تعالى ، وإن كان من أسمائه الأول ” انتهى. فتأمل!
-ثم لا يُسَلَّم بإطلاق عدم ورود السمع لاسم: (القديم) ، يقول مرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى في: “الإتحاف”(2/31) : “وورد ذِكْر القديم في بعض الأخبار التي فيها الأسماء الحسنى..”ثم ساق الخبر بسنده رحمه الله
وليس لفظ (القديم) خاصا بالمتكلمين بل استعمله على نحو استعمال الطحاوي أئمة من فقهاء ومحدثين وغيرهم،ومنهم ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى حيث قال في:
“التفسير”(30/347-الفكر) : “ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل،ودائم لم يبد،ولا يزول ولا يفنى”أ.هـ
وكَتَبَ/
(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به
مِدرَاسُ الحَنَابِلةِ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها اللهُ
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.