لما كان كتاب: “إحياء علوم الدين” (عظيمَ الوقع، كثير النفع، جليل المقدار، ليس له نظير في بابه، ولم يُنْسَج على منواله، ولا سَمَحت قريحة بمثاله، مشتملاً على الشريعة والطريقة والحقيقة، كاشفاً عن الغوامض الخفيَّة، مبيِّناً للأسرار الدقيقة)-احتاج لنَشْرة تَليق به، ملتزمة سَنَن التحقيق الأصيل…فكان أن اضطلعت بالعبء (دارُ المنهاج) لصاحبها (الأستاذ عمر باجخيف) ،فعَكَفَتْ على الكتاب سنوات ليَخْرُج بَعْدُ في حُلَّةٍ قَشِيْبة، وعنايةٍ مُنِيفة، جَعَلتْ حقائقَهُ بادية، وثمارَهُ دانية…لا تَلْحظه عينٌ إلا وتَلْهج نفسُ صاحبها بالدعاء والثناء…وليس راءٍ كمَنْ سَمِع!
إذا أنا لم أشكرْ على الخير أهلَهُ ولم أَذْمِمِ (العجْزَ) الَّلئيمَ المُذَمَّما
فَفِيْمَ عَرَفْتُ الخيْرَ والشَّرَّ باسمِهِ وشقَّ ليَ اللهُ المسامع َ والفَما
وتلك العناية اكْتَنَفَتْ الكتابَ من جوانبه حتى استوت مُكْتملةً في عناوين ثلاثة:
أما الأول: فضبطُ النصِّ. حيث قوبل “الإحياء” على أربع نُسَخٍ خطِّيَّةٍ كاملة، ومنها نسخة كتبت سنة (783هـ) من (أبي حَيْدر الحسني). ونسخة مقابلة على ثلاثٍ أُخَر تُسمَّى بالسُّلْطانية. ثم عُوْرِضتْ تلك النُّسَخ بالنسخة المَيْمَنِيَّة النادرة -والتي طُبِعَتْ سنة (1306هـ) -مع أربعَ عشْرةَ مخطوطةً لأجزاء من الكتاب. كل ذلك من نُخْبة مُخْتارة لها معرفة بالتحقيق وممارسة -كما في مقَدِّمة النَّشْرة-.
وتُمِّمَ الضَّبْطُ بشَكْل كلماته، مع دَفْعه لثُلَّةٍ مباركة من أهل العلم والفضل للتدقيق والتَّمْحيص، وفي مُقَدَّمِهم -كما في النَّشْرة- السيد عدنان بن علي الحدَّاد باعلوي.
وأما الثاني: فتوثيق النص بعزو الآيات والأحاديث والآثار مع الاعتماد على تخريج الحافظ العراقي المسمى ب”المغني“، واستدراك ابن السُّبْكي ومُرْتَضى الزَّبيدي رحمهم الله تعالى.
وكذلك اجتهَدَتْ (الدارُ) في عزو الأقوال والنقول إلى مظانِّها المتوَفِّرة لديها.
وأما الثالث: فالتعليق على النص بما تَمَسُّ الحاجة إليه؛ كشرح كلمة غامضة. وفي مُقَدِّمة النَّشْرة قولهم: “وعَمِلْنا ما في وُسْعنا لِجَعْل التَّعْليق مُوْجَزاً ومُؤَدِّياً للْغَرَض في الوقت نفسه” ا.هـ.
ثم إن الناشر جزاه الله خيراً أضاف للإحياء كتاب: “الإملاء على مُشْكِل الإحياء” للإمام الغزَّالي، وكتاب: “تعْريف الأَحياء بفضائل الإِحياء” للعلامة عبدالقادر العيدروس باعلوي(ت/1038هـ)، وما ذلك إلا لارتباط الكتابين بالإحياء ارتباطَ تَعْريفٍ وكَشْفٍ لإيرادات
والمُقَرَّر عن العلماء أن “الإحياء” مَرْجِعُ الأمة في “علم التزكية والسلوك”، وفي ذلك يقول الشيخ عبدالله الحداد آل علوي (ت/1132هـ) رحمه الله تعالى في كتابه: “النصائح الدينية”(ص/360”: “وكلام الإمام حجة الإسلام من: “الإحياء” في هذه الفنون -أي: التزكية والسلوك-هو المُعَوَّل عليه، والمرجع إليه؛ لكماله في العلم والعبادة، والزهد والمعرفة؛ ولأنه جمع في ذلك كلام مَنْ تقدَّمه من السلف الصالح ومشايخ الطريق.
وقد اقتفى آثاره، واقْتَبَس من أنواره من جاء بعده من أهل هذا الشأن من علماء المسلمين وصالحيهم من أهل سائر الآفاق والبلدان، كما يَعْرف ذلك ويعلمه تحقيقاً من له رسوخ في هذه العلوم وغوص واطلاع على أسرار طريق الله” ا.هـ.
وكَتَبَ/
(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به
الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها الله