مخاطبة التلميذ لأستاذه بـ(سيدي) تأدباً

مسألة مخاطبة التلميذ لأستاذهِ بـ(سيدي) تأدباً

بقلم: (صالح بن محمد الأسمري)

     لا حرج في مخاطبة التلميذ لأستاذهِ بـ(سيدي) تأدباً شرعاً؛ حيث جاء في الكتاب والسنة ما يدل على جوازه.

     -فمن الكتاب: قوله سبحانه: (فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ) يقول القُرطبي رحمه الله في “الجامع لأحكام القرآن” (4/82): “(وسيداً) السيد: الذي يسوده قومه ويُنْتَهَى إلى قوله, وأصله: سَيْوِد, يُقال: فلانٌ أسود من فُلان, أفعل من السيادة ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيداً كما يجوز أن يُسمى عزيزاً أو كريماً” ا.هـ. المُراد.

     -ومن السنة ما أخرجه البخاري (2/114) وغيره من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن ابني هذا سيد, ولعل الله تبارك وتعالى أن يصلح به بين فئتين من المسلمين” والمُراد سيدنا الحَسَن ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. والأحاديث في ذلك مستفيضة, يقول الشيخ المحدث أحمد الغُماري رحمه الله تعالى في كتابه “تشنيف الآذان” (ص/11) :”زعم بعض الظاهرية وتبعهم البعض أنه لا يجوز إطلاق لفظ: (السيد) على المخلوق, بل يختص بالخالق سبحانه وتعالى , بل زاد هذا البعض فأكفره من أطلق لفظ السيد على المَخلوق, وهو قول باطل مصادم للكتاب والسنة المتواترة…” ا.هـ. ثم أخذ في ذكرها, ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: “كل بني آدم سيد والرجل سيد أهله والمرأة سيدة بيتها” قال الذهبي في “تَذكِرَة الحُفَّاظ”: “رواته ثقات” وهو عند ابن السني في “عمل اليوم والليلة”. وكذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: “من سيدكم يا بني سَلَمة؟ قالوا: الجد بن قيس” الحديث أخرجه الحاكم في “المستدرك” وقال: “صحيح على شرط مسلم ولم يخرِّجاه”. وكذا حديث أبي سعيدٍ الخُدْريّ رضي الله عنه مرفوعاً: “قوموا إلى سيدكم” الحديث, خَرَّجاه. وكذا حديث أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً: “الحسن والحُسين سيدا شباب أهل الجنة” خّرَّجَهُ أحمد والترمذي وقال: “حَديثٌ حَسَنٌ صَحِيْح”. وكذا حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: “يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنات وسيدة نساء هذه الأمة” رواه البُخاري وغيره.

     وعلى كلٍّ فمخاطبة الأستاذ بـ(سيدي) مشروع, بل هو في حق العُلماء الصالحين مستحسنٌ لعلتين؛
    
-الأولى: إظهار فضلهم وحُرمتهم, وتمييزهم عن عامة الناس, وهو أدب مأمورٌ به, ومن شواهده حديث ابن عبَّاس رضي الله عنه مرفوعاً: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا, ويوقِّر كبيرنا, ويَعْرِف لعالمنا حَقَّه” خرجه الطبراني في “الكبير” (11/449).

     ولقد نَبَّه الأئمة إلى ذلك, يقول ابن جماعة رحمه الله في “تذكرة السامع والمتكلم” (ص/138) :” وينبغي أن لا يُخاطب شيخه بتاء الخِطاب وكافه, ولا يُناديه من بُعْد, بل يقول: يا سيدي! ويا أستاذي!” ا.هـ. المراد. وقوله: (بتاء الخطاب وكافه) أي: لا يُخاطبه بـ(تاء الخطاب) بل بميم الجَمْع الدالة على التعظيم, فلا يقول: (كيف حالك) بل (كيف حالكم).

     -والثانية: مفهوم حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعا: “لا تقولوا للمنافق سيداً؛ فإنه إن يَكُ سيداً فقد أسخطتم ربكم عز وجل” (رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح) قاله النووي في “رياض الصالحين” (حديث رقم: 1734), حيث دّلَّ على أن لفظ (سيد) من ألفاظ التعظيم فلا تُطلق على من أهانه الله كالمنافق. يقول ابن علاَّن رحمه الله تعالى في “دليل الفالحين” (4/555): “لا تقولوا للمنافق سيداً, ومثله لسائر ألفاظ التعظيم, ومحل النهي ما لم يحصل من تركه ضررٌ على نفسه أو أهله أو ماله وإلا فلا كراهة”, وعلل ذلك بقوله (فإنه) أي: الشأن (إن يك) أي: المنافق (سيداً) أي: مرتفع القدر على من سواه (فقد سخطتم ربكم عز وجل) إذ عظمتم عدوَّه الخارج عن عبوديته المتخذ ضداً ونداً يعبده من دونه باطناً وكذا العصاة والمبتدعة لما اشتركوا مع المنافق في الخروج عن حزب الرحمن والانتظام في إخوان الشياطين جرى عليهم ما جرى على المنافق بإهانته وترك تعظيمه ليرتدع عما هو فيه, فيرجع إلى الطاعة في الأول والسنة في الثاني” ا.هـ.

     ولفظ: السيد من السيادة, يقول الزبيدي في “تاج العروس” (8/224): “و(السيادة): الشرف, يقال: ساد يسود سوداً وسؤددا وسيادة وسيدودة”. وهذه قد ذكرها الجوهري وغيره. وفي “المصباح”: “ساد يسود سيادة, والاسم السُّودد, وهو المَجد والشَّرف, فهو سيد, والأنثى سيدة” أ.هـ. وذكر أقوالاً إلا أن المشهور ما بيَّنه الأصفهاني في “مفردات ألفاظ القرآن” (ص/432) بقوله:” والسيد: المتولي للسواد, أي: الجماعة الكثيرة, ويُنْسب إلى ذلك فيقال: سيد القوم, ولا يقال: سيد الثوب, وسيد الفرس, ويقال: ساد القوم يسودهم. ولما كان مِنْ شرط المتوليِّ للجماعة أن يكون مُهذَّب النفس. قيل: لكل من كان فاضلا في نفسه: سَيِّد” ا.هـ. المراد.

     تنبيه: كَسْر السين المهملة من كلمة (سيِّدي) عند المخاطبة: عَدَّه ابن الحنبلي في “سَهْم الألحاظ في وَهَم الألفاظ” (ص/61) غلطاً ووَهَماً في اللغة.

     فائدة: كلمة (الأستاذ) كلمة أعجمية, ومعناها: الماهر بالشيء, العظيمُ. كذا قال الفيومي. وفي كتاب “المطرب في أشعار أهل المغرب” لأبي الخطاب بن دحية: (الأستاذ كلمة ليست بعربية, ولا توجد في الشعر الجاهلي, واصطلحت العامة إذا عَظَّموا المحبوب أن يخاطبوه بـ<الأستاذ>. ومن أمثلة ذلك ما خّرَّجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” (16/ق470) وهو في “تاريخ بغداد” (13/102) وغيره: أن أحمد بن حمدون القصَّار قال: جاء مسلم بن الحجاج إلى محمد بن إسماعيل البخاري, فقبل بين عينيه, وقال: (دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين! وسيد المحدثين! وطبيب الحديث في علله).

 

تمت بحمد الله 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *