عنوان: رد وضع اليدين على الصدر في الصلاة
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد شهَّر جماعة القول بوضع اليدين على الصدر في الصلاة حال القيام، مستدلين بما رواه ابن خزيمة في: “الصحيح”( برقم:479 )، والبيهقي في: “السنن الكبرى”( 2/30 ) من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن الثوري، عن عاصم بن كليب بن شهاب، عن أبيه وائل بن حُجْر أنه رأى النبي – صلى الله عليه وسلم- وضع يمينه على شماله، ثم وضعهما على صدره .
وهو قول حادث، لم يقل به الفقهاء؛ لأن حاصل محل الوضع لليدين عندهم موضعان:
-أولهما: تحت السرة.وهو مذهب السادة الحنفية-كما في: “بدائع الصنائع”( / ) -،والحنابلة-كما في: “المنتهى”(1/77)-
-والثاني: فوق السرة وتحت الصدر. وهو مذهب السادة الشافعية -كما في: ” المجموع ” (3/313)للنووي-ورواية عن الإمام مالك-كما في: “شرح الزرقاني”(1/454)- والإمام أحمد-كما في:”الفروع”(1/412)-
وفي ذلك يقول الوزير ابن هبيرة رحمه الله تعالى في كتابه: “اختلاف الأئمة العلماء”: “واختلفوا في محل وضع اليمين على الشمال:
فقال أبو حنيفة: يضعهما تحت السرة.
وقال مالك والشافعي: يضعهما تحت صدره وفوق سرته.
وعن أحمد ثلاث روايات أشهرها كمذهب أبي حنيفة وهي التي اختارها الخرقي، والثانية كمذهب مالك والشافعي . والثالثة التخيير بينهما وأنهما في الفضيلة سواء” ا.هـ.
ولذا قال العلامة السهارنفوري رحمه الله تعالى في: “بذل المجهود”( / ) : “فانحصر مذاهب المسلمين في ثلاثة:
أحدها: الوضع تحت السرة. وثانيها: فوق السرة تحت الصدر. وثالثها: الإرسال.
بل انحصر الوضع في هيئتين: تحت الصدر، وتحت السرة. ولم يوجد مذهب من مذاهب المسلمين أن يكون الوضع على الصدر، فقول الوضع على الصدر قول خارج عن مذاهب المسلمين، وخارق لإجماعهم المركَّب” ا.هـ.
وأما دعوى أن وضعها فوق الصدر هو قول إسحاق بن راهوية رحمه الله تعالى-كما في: “إرواء الغليل” (2/70ـ71) و “صفة الصلاة”(ص/88) للألباني- فبعيد! والمحفوظ عنه –كما في مسائل الكوسج ( 1/ 271 )- قوله : “تحت السرة أقوى في الحديث ، و أقرب إلى التواضع” . اهـ.وقال ابن عبدالبر رحمه الله تعالى في: “التمهيد”(20/75): “وقال الثوري وأبو حنيفة وإسحاق: أسفل السرة”أ.هـ. ثم إن سياق رواية الصدرعن إسحاق يدل على أنها في قنوت الوتر-أي:في رفع اليدين عند الدعاء للقنوت-،ونصها-كما في: “المسائل(ص/222)للمروزي-: “كان إسحاق يوتر بنا … ويرفع يديه في القنوت ويقنت قبل الركوع، ويضع يديه على ثدييه أو تحت الثديين” ا.هـ. وإسحاق من القائلين برفع اليدين في القنوت -كما في: “فتح الباري”(6/424)لابن رجب-
تنبيه: حديث وائل بن جحر رضي الله عنه السابق وفيه قال : ” صليت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره” محمول على رواية -كما عند أبي الشيخ في “طبقات المحدثين في باصبهان ” (2/ 268)-: “عند صدره “؛ لذا استدل به السادة الشافعية على مذهبهم.
تنبيه: انتصر للقول بوضع اليدين على الصدر الشيخ محمد حياة السندي(ت/1163هـ) رحمه الله تعالى في كتابه:”دُرَّة في إظهار غش نقد الصرة” الذي صنفه لرد ما في كتاب: “درهم الصرة في وضع اليدين تحت الصرة” للشيخ محمد هاشم السندي التتوي (ت/1173هـ)رحمه الله تعالى، لكن الشيخ التتوي أكَّد مضامين كتابه بآخر سماه : “ترصيع الدرة على درهم الصرة”، ونقض رسالة محمد حياة بكتاب نعته ب: “معيار النقَّاد في تمييز المغشوش عن الجياد” قال في أوله: “فهذه كراسة…في رد ما ادعاه بعض إخواننا من أن السنة في الصلاة حالة القيام هو وضع اليدين على الصدر لا غير! وقلع أصول ما توهَّمه من الخيالات، وقمع عروق ما ذكر في رسالته من التَّوهُّمات” ا.هـ المراد. وهي رسالة محققة للغرض، شافية للمرض.
والله ولي التوفيق، لا رب سواه، والحمد لله…
تمت بحمد الله