هُنَاكَ ظَاهِرَةٌ عِلْمِيَّةٌ بَيْنَ طُلَّابِ العِلْمِ اليَوْمَ، وَهِيَ: مُطالَعَةُ كُتُبِ أَهْلِ الكِتابِ مِنْ تَوراةٍ وَإِنْجِيلٍ لِلتَّعَرُّفِ عَلَيْهَا، وَمُنَاقَشَةِ أَهْلِ الكِتَابِ عَبْرَ بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ الحَدِيثَةِ,..هَذِهِ مِنْ الفِتَنِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي هَذَا العَصْرِ،وَالأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَرَّرَهُ الشِّهَابُ اِبْنُ حَجَرٍ الهَيْتميُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي: “تُحْفَةُ المُحْتَاجِ” بِقَولِهِ: “وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِ عالِمٍ مُتَبَحِّرٍ مُطَالَعَةُ نَحْوِ تَوْرَاةٍ= عَلِمَ تَبْدِيلَهَا [1]أَوْ شَكَّ فِيهِ” اِنْتَهَى.
بَلْ كانَ الفُقَهاءُ يُشَدِّدُونَ في ذلكَ لخَطَرِهِ،حتَّى قالَ الشّرْوانِيُّ رحمه الله:”وَفِي <فَتَاوَى الْجَمَالِ الرَّمْلِيِّ>:( سُئِلَ عَمَّا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ جَوَازِ قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ الْمُبَدَّلَةِ لِلْعَالِمِ الْمُتَبَحِّرِ دُونَ غَيْرِهِ، فَهَلْ مَا قَالَهُ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا . فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا) ا هـ كُرْدِيٌّ”انتَهَى .
https://goo.gl/84qmMa
هذا مَعَ أَنَّ قَولَ الهَيتَمِيّ= عَلَيهِ عَمَلُ العُلَماءِ،ولاسِيَّما عندَ الحاجَةِ؛لذا قال ابنُ حَجَرٍ العَسْقلانِيُّ رَحمَه اللهُ في:”الفتح”:
” وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : نَسَخَ عُمَرُ كِتَابًا مِنَ التَّوْرَاةِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ . فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : وَيْحَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرَى وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا ، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ أَوْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ مُوسَى بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَّبِعَنِي…
وَهَذِهِ جَمِيعُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهَا أَصْلًا.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ، وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَيَصِرْ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْإِيمَانِ= فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الرَّاسِخِ: فَيَجُوزُ لَهُ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ،وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَقْلُ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنَ التَّوْرَاةِ وَإِلْزَامُهُمُ الْيَهُودَ بِالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ كِتَابِهِمْ ، وَلَوْلَا اعْتِقَادُهُمْ جَوَازَ النَّظَرِ فِيهِ لَمَا فَعَلُوهُ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ ،
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ لِلتَّحْرِيمِ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْغَضَبِ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً مَا غَضِبَ مِنْهُ= فَهُوَ مُعْتَرَضٌ: بِأَنَّهُ قَدْ يَغْضَبُ مِنْ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَمِنْ فِعْلِ مَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى إِذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ مِنْهُ ذَلِكَ ، كَغَضَبِهِ مِنْ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْقِرَاءَةِ ، وَقَدْ يَغْضَبُ مِمَّنْ يَقَعُ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي فَهْمِ الْأَمْرِ الْوَاضِحِ مِثْلَ الَّذِي سَأَلَ عَنْ لُقَطَةِ الْإِبِلِ”
https://goo.gl/dUi2F3
واللهُ أَعلَمُ@
وكَتَبَ/
(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به
مِدرَاسُ الحَنَابِلةِ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها اللهُ
[1]وذَلكَ أَنَّ:”الحقَّ : أنَّ فيهما ما يُظنُّ عدَمُ تَبديلِه لمُوافقتِه ما عَلِمْناه مِن شَرْعنا “[تحفة المحتاج” (1 / 178)]
.