Search
Close this search box.

رد إنكار كون المعرفة أول واجب

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

أنكرت طائفة كون المعرفة أول واجب شرعي على المكلف، وقال الشمس ابن القيم رحمه الله تعالى في: “مدارج السالكين“( / ) : “ إن مقام التوحيد أولى المقامات أن يبدأ به ، كما أنه أول دعوة الرسل كلهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وفي رواية: ” إلى أن يعرفوا الله”  ، ولأنه لا يصح مقام من المقامات ولا حال من الأحوال إلا به ، فلا وجه لجعله آخر المقامات ، وهو مفتاح دعوة الرسل ، وأول فرض فرضه الله على العباد ، وما عدا هذا من الأقوال فخطأ ، كقول من يقول : أول الفروض النظر ، أو القصد إلى النظر ، أو المعرفة ، أو الشك الذي يوجب النظر . 
وكل هذه الأقوال خطأ ، بل أول الواجبات مفتاح دعوة المرسلين كلهم ، وهو أول ما دعا إليه فاتحهم نوح ، فقال ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره وهو أول ما دعا إليه خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلماهـ

 

ويُرد ذلك بشيئين:

أولهما: أن الاتفاق قد وقع على أن المعرفة هي الواجب الأول على المكلف،قرره ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في: “الفتاوي الحديثية“(ص/275)

والخلاف المحكي في تعيين أول مُتعلَّقات المعرفة من قصد إليها أو نظر يُولِّدهاهو تابع للمعرفة،فلم يخرج عنها،لذا جاء في: “المواقفمع الشرح“( 1/375-380) ما نصُّه:

” (المقصد السابع: قد اختلف في أول واجب على المكلف) أنه ماذا (فالأكثر) ومنهم الشيخ أبو الحسن الأشعري (على أنه معرفة الله تعالى إذ هو أصل المعارف) والعقائد (الدينية، وعليه يتفرع وجوب كل واجب) من الواجبات الشرعية (وقيل: هو النظر فيها) أي في معرفة الله سبحانه (لأنه واجب) اتفاقا كما مر (وهو قبلها) وهو مذهب جمهور المعتزلة والأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني (وقيل): هو (أول جزء من النظر) لأن وجوب الكل يستلزم وجوب أجزائه: فأول جزء من النظر واجب، وهو متقدم على النظر المتقدم على المعرفة (وقال القاضي واختاره ابن فورك) وإمام الحرمين: إنه (القصد إلى النظر) لأن النظر فعل اختياري مسبوق بالقصد المتقدم على أول أجزائه.

(والنزاع لفظي إذ لو أريد الواجب بالقصد الأول،) أي لو أريد أول الواجبات المقصودة أولا وبالذات (فهو المعرفة) اتفاقا (وإلا) أي وإن لم يرد ذلك، بل أريد أول الواجبات مطلقا (فالقصد إلى النظر) لأنه مقدمة للنظر الواجب مطلقا فيكون واجبا أيضا..

(وقال أبو هاشم هو) أي أول الواجبات (الشك) ثم رد الإيجي هذا القول بوجهين ثم قال: (إن قلنا: الواجب) الأول (النظر فمن أمكنه زمان يسع فيه النظر التام) والتوصل به إلى معرفة الله تعالى (ولم ينظر) في ذلك الزمان، ولم يتوصل بلا عذر (فهو عاص) بلا شبهة (ومن لم يمكنه زمان أصلا) بأن مات حال البلوغ (فهو كالصبي) الذي مات في صباه (ومن أمكنه) من الزمان (ما يسع بعض النظر دون تمامه) فإن شرع فيه بلا تأخير واخترمته المنية قبل انقضاء النظر وحصول المعرفة فلا عصيان قطعا، وأما إذا لم يشرع فيه، بل أخره بلا عذر ومات (ففيه احتمال، والأظهر عصيانهلتقصيره بالتأخيرانتهى

  وثَمَّ توجيه للأقوال قرَّره الفخر الرازي رحمه الله تعالىكما في: “حاشية شرح جمع الجوامع“(4/287)لزكريا الأنصاريبقوله: “إن أُريد أول الواجبات المقصودة بالقصد الأولفهو المعرفة عند مَن يجعلها مقدورة،والنظر عند مَن يجعلها غير مقدورة،وإن أُريد أول الواجبات كيف كانت فهو القصدانتهى.

وليس ذلك قولا يخص أولي النظر، بل وقع الإجماع عليه،يقول البدر الزركشي رحمه الله تعالى في: “البحر المحيط“( / ) : “ النظر واجب شرعا . قال ابن القشيري : بالإجماع ; لأن الإجماع قام على وجوب معرفة الله ، ولا تحصل إلا بالنظر ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب انتهى المراد.

والحنابلة قرروا ذلك أيضا،ومنه قول ابن النجار رحمه الله تعالى في: “شرح مختصر التحرير“(1/308) : “(وهي) أي: معرفته جل وعلا (أولُ واجب لنفسه) على المكلف بالنظر في الوجود والموجودانتهى المراد.

وعلة تقديم المعرفة وما إليها على جميع الواجبات شرعا هي كونها (أصل المعارف الدينية،وعليها يتفرع كل واجب)قاله العضد الإيجي رحمه الله تعالى في: “المواقف“(ص/32)

والثاني: أن وحدانية الله سبحانه في ذاته وصفاته وأفعاله داخلةُ في المعرفة، مع كون معنى الإله  سبحانه هو المعبود بالحق؛وهو واحد لا شريك له سبحانه.يقول البيجوري رحمه الله تعالى في: “شرح الجوهرة“(ص/151): “ومبحث الوحدانية: أشرف مباحث هذا الفنيعني: أصول الدين؛ولذلك سُمي باسم مشتق منها،فقيل: علم التوحيد،ولعظم العناية به كثر التنبيه والثناء عليه في الآي القرآنية ،فقال تعالى: “وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيمإلى غير ذلك من الآياتانتهى.

ثم إن القائلين بكون (لا إله إلا الله) هي أول واجب على المكلف،يشترطون شروطا سبعة لذلك جمعها في:”سلم الأصولبقوله:

 

العلم واليقين والقبـــــول***والانقيـاد فادر ما أقول

والصـدق والإخلاص والمحبة***وفقك الله لما أحبــــه

ومعلوم أن العلم يتقدم الستة؛إذ لايصح صدق ولا قبول ولا يقين ولا محبة ولا إخلاصإلا عن علم،وأنت خبير أن العلم هو المعرفة،قال الصاوي رحمه الله تعالى في: “حاشية الجوهرة“(ص/118) : “وأما عند أهل السنة فالعلم والمعرفة مترادفانانتهى المراد.

 

والله الموفق

وكَتَبَ/

(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به

الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها الله

 

تمت بحمد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *