بسم الله الرحمن الرحيم
في إزالة الشجرة التي وقعت تحتها بيعة الرضوان روايتان:
أما الأولى: فروايةٌ مفادُها أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي أزال الشجرة خوفا من فتنةٍ،وتلك الرواية أخرجها ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (2/100) حيث قال : “أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا عبد الله بن عون عن نافع قال : كان الناس يأتون الشجرة التي يقال لها شجرة الرضوان ؛ فيصلون عندها ، قال : فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها ، وأمر بها فقطعت” . قال الحافظ ابن حجر في: “فتح الباري”(7/448) : “وجدتُّ عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ، ثم أمر بقطعها ، فقطعت “ انتهى.
وقد تابع عبدَالوهاب بن عطاء معاذُ بن معاذ،قال ابنُ أبي شيبة رحمه الله تعالى في: “المصنَّف”(رقم/7545):“حدثنا معاذ بن معاذ قال انا ابن عون عن نافع قال بلغ عمر بن الخطاب أن أناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها قال فأمر بها فقطعت“
وروى الفاكهيُّ رحمه الله تعالى في “أخبار مكة”(5/78)الخبر بقوله: “حدثنا حسين بن حسن المروزي قال ثنا اسماعيل بن ابراهيم قال ثنا ابن عون قال : بلغ عمر رضي الله عنه أن الشجرة التي بويع عندها تؤتى فأوعد في ذلك وأمر بها فقطعت“. وبقوله أيضا في “أخبار مكة”(5/77):”حدثنا أحمد بن سليمان قال ثنا زيد بن المبارك قال ثنا ابن ثور عن ابن جريج في قوله تعالى : ( يبايعونك تحت الشجرة ) قال : سمرة كانت بالحديبية ؛ فكانت هذه الشجرة يعرف موضعها ، ويؤتى هذا المسجد ، حتى كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فبلغه أن الناس يأتونها ، ويصلون عندها فيما هنالك ، ويعظمونها ؛ فرأى أنَّ ذلك من فعلهم حدث” .
ورواه ابنُ وضَّاح القُرطبي في “البدع والنهي عنها”(رقم/107-تحقيق عمرو عبد المنعم) بقوله:”عن عيسى بن يونس عن ابن عون عن نافع مرسلا .”
وهذه الرواية جزم بها جماعة، ومنهم التقي ابن تيمة رحمه الله تعالى في: “إقتضاء السراط المستقيم”(1/306) بقوله: ” أمر عمر رضي الله عنه بقطع الشجرة التي توهموا أنها الشجرة التي بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان لما رأى الناس ينتابونها ويصلون عندها كأنها المسجد الحرام أو مسجد المدينة ” اهـ
وأما الثانية: فرواية مفادها أن الشجرة زالت بسَيْلٍ أو خَفِيَتْ،ذكر البخاري بإسناده في”الجامع”(4/1528) عن طارق بن عبدالله أنه قال : “انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون قلت : ما هذا المسجد ؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان ، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ، فقال سعيد : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال : فلما خرجنا من العام المقبل أنسيناها فلم نقدر عليها ، فقال سعيد : إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم ، فأنتم أعلم!”. وفيه أيضا(رقم/8592 ) قال: “حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا جويرية عن نافع قال: قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله فسألت نافعا على أي شيء بايعهم على الموت قال لا بل بايعهم على الصبر”.قال البدر العيني رحمه الله تعالى في: “عمدة القاري”(14/223) : “ قوله: (فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها) أي: ما وافق منا رجلان على هذه الشجرة أنها هي التي بايعنا تحتها، بل خفي مكانها، وقيل: أشبهت عليهم،…قوله: (فسألت نافع ا) السائل هو جويرية الراوي. قوله: (علىالموت)، أي: أعلى الموت؟ وهمزة الاستفهام مقدرة فيه. قوله: (قال: لا) أي: قال نافع: لم يكن مبايعتهم على الموت، بل كانت على الصبر، واعترض الإسماعيلي بأن هذا من قول نافع وليس بمسند، وقال بعضهم: وأجيب: بأن الظاهر أن نافعا إنما جزم بما أجاب به لما فهمه من مولاه ابن عمر، فيكون مسندا بهذه الطريقة، وفيه نظر لا يخفى.“انتهى.
وهذه الرواية أصحُّ وأشهر،يقول أبوعبدالله الحاكم رحمه الله تعالى في “معرفة علوم الحديث”( ص/65): “والحديبية بئر وكانت الشجرة بالقرب من البئر ، ثم إن الشجرة فُقدت بعد ذلك فلم يجدوها وقالوا إن السيول ذهبت بها ، فقال سعيد بن المسيب : ( سمعت أبي وكان من أصحاب الشجرة يقول : قد طلبناها غير مرة فلم نجدها” إ.هـ. وقال النووي رحمه الله تعالى في: “شرح مسلم”( / ) : “سبب خفائها: أن لا يفتتن الناس بها؛ لما جرى تحتها من الخير، ونزول الرضوان والسكينة وغير ذلك، فلو بقيت ظاهرة معلومة لخيف تعظيم الأعراب والجهال إياها وعبادتهم إياها، وكان خفاؤها رحمة من الله تعالى”انتهى.
وقد ذهب الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في: “الفتح”( 7/ 448) إلى الجمع بين الروايتين بقوله: “ وقد قدَّمتُ الحكمةَ في إخفائها عنهم في ( باب البيعة على الحرب ) من كتاب الجهاد عند الكلام على حديث ابن عمر في معنى ذلك ،لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه : إنهم لم يعرفوها في العام المقبل ، لا يدل على رفع معرفتها أصلا ، فقد وقع عند المصنِّف من حديث جابر الذي قبل هذا (لو كنتُ أُبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ) ، فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه ،وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها، لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت إما بجفاف أو بغيره ، واستمر هو يعرف موضعها بعينه ،ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ، ثم أمر بقطعها ، فقطعت “انتهى.
والله أعلم
وكَتَبَ/
(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به
الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها الله
تمت بحمد الله