بسم الله الرحمن الرحيم
أنكر بعضٌ مقولةَ (كل ما دخل في الوجود فهو متناه)، والتي وردتْ في تقريرٍ لمُرْتضى الزَّبيدي رحمه الله تعالى في: “شرح الإحياء”(2/144) ونصُّه: “والصحيح أن صفاته تابعة لكمالاته، وكمالاته لا نهاية لها…وأما المعاني والمعنوية: فهي متناهية؛ لأن كل ما دخل في الوجود فهو متناه، فتضم ما يتناهى وهي المعاني والمعنوية إلى ما لايتناهى وهي النفسية والسلبية وتحكم على الجميع بعدم النهاية”انتهى.
وهناك مقدمتان للجواب:
–الأولى: أنه يجب اعتقاد عدم تناهي كمالات الله سبحانه.قال العلامة الدرديري رحمه الله تعالى في: “شرح الخريدة”(ص/49) : “الواجب أن نعتقد أن كمالاته تعالى لا تتناهى في الإجمال”انتهى المراد.
–الثانية: أن للوجود اعتبارين:
*الأول: اعتبار بالقوة الدرَّاكة. فهناك وجود في الذهن وخارجه.
*الثاني: اعتبار في نفس الأمر، أي: نفس الشيء في حد ذاته بقطع النظر عن اعتبار المعتبر، أو فرض الفارض، فهو أعم من الموجود ذهنيا و خارجا، وقد يُطلق (نفس الأمر) على علم الله.
عليه: فجملة (لأن كل ما دخل في الوجود فهو متناه) تعليلية لقول في سياق بحث جواب مسألة: (مامعنى “كمالاته سبحانه لا نهاية لها” ؟ )، ويتضح ذلك بسياق البحث كاملا من: “شرح الإحياء”(2/144) وفيه يقول العلامة مرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى: “ومعنى (كمالاته لا نهاية لها) هل هو باعتبار علمنا أو علم الله تعالى؟
–أما باعتبار علمنا فظاهر لنقصه وضعفه.
–وأما باعتبار علم الله فمعناه:
*علمها على ما هي عليه من عدم النهاية.
*ويحتمل أن تكون لا نهاية لها باعتبار لغة العرب؛ لأن العرب إذا كثر الشيء يحكمون عليه بعدم النهاية وإن كان في نفسه متناهيا.كما تقول : غنم فلان لا حصر لها.
*ويحتمل أن تكون حكم عليها بعدم النهاية مراعاة للنفسية والسلبية؛ لأنها لا نهاية لها. وأما المعاني والمعنوية فهي متناهية؛ لأن كل مادخل في الوجود فهو متناه، فتضم ما يتناهى- وهي: المعاني والمعنوية- إلى ما لا يتناهى – وهي: النفسية والسلبية- وتحكم على الجميع بعدم النهاية”انتهى.
ومن ثم يتبين أن قائل تلك الجملة قد حمل عقيدة كون كمالات الله تعالى لاتتناهى على الصفات غير الوجودية، يقول العلامة السباعي رحمه الله تعالى في: “حاشية شرح الخريدة”(ص/73) : “وقيل: إن وجه عدم التناهي باعتبار مالله سبحانه وتعالى من صفات السلوب والتنزيه، إذ ما من شيء يفرضه العقل والوهم والخيال إلا والباري مخالف له ليس كمثله شيء، ولذلك قال أهل الحق: (كل ما خطر ببالك فالله مخالف لذلك) ، ومعناه: أنه إن خطر ببالك أنه جوهر أو عرض، أو أبيض أو غير ذلك، فالله مخالف لجميع ما خطر ببالك؛ لأنه لا يخطر ببالك إلا ما ألفته من صفات الحوادث”انتهى.
إلا أن جمهور السادة الأشاعرة يُسلِّمون بقاعدة (كل مادخل في الوجود فهو متناه) مع الحوادث، وقيل: وكذا في الذهن بخلاف الخارج في حق الله. قال العلامة الدسوقي رحمه الله تعالى في: “حاشية شرح أم البراهين”(ص/73) : “إن قلت: (إن كمالاته تعالى صفات وجودية، وما وجد في الخارج متناه) قلت: ذلك في الحادث الموجود خارجا-أي: خارج الذهن- لما قامت عليه الأدلة من استحالة وجود حوادث لا تتناهى، وأما كمالاته تعالى فهي موجودة في الخارج، ولا نهاية لها لكونها قديمة، وليس المراد أنها لا نهاية لها في الذهن، وإن كانت متناهية في الخارج كما ذهب إليه بعضهم،”انتهى.
والله أعلم
وكَتَبَ/
(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به
الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها الله
تمت بحمد الله