عنوان:من آداب الطالب مع شيخه
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
فصل في آداب الطالب مع شيخه
أولها: أن يختار شيخاً قد كملت أهليته، وظهرت مروءته، وصحة ديانته، ومدار الشأن على ثلاثة:
الأول: الدين قال بعض السلف:” هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم” وليكن إن أمكن ممن اشتهرت صيانته،وعرف بحسن الخلق والتقوى؛ لأن العادة أن الطالب ينتفع من ذي الدين والخلق غالباً، ولا ينبغي أن يرغب الطالب في زيادة العلم مع نقص في ورع أو دين أو عدم خلق جميل.
الثاني: العلم وشرطه التأهل فيه مع التخرج على الشيوخ، قال الإمام الشافعي (رضي الله عنه):” من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام ” ، وكان بعضهم يقول:” من أعظم البلية تمشيخ الصحيفة- أي: الذين تعلموا من الصحف”.
الثالث: التعليم بحيث يكون حسن التعليم، جيد التفهم، ولو كان خاملاً غير مشهور، وعد الغزالي وغيره التقيد بالمشهورين من التكبر على العلم، والحماقة بإضاعة الخير، لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها.
ثانيها: أن ينقاد لشيخه في التعلم، وذلك موجب لشيئين:
* الأول: عدم الخروج عن رأي الشيخ وتدبيره، بل يكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر. ويقتضي ذلك مشاورة الشيخ فيما يقصده من العلم، وما تعلق به، ويتحرى رضاه فيه. قال الغزالي (رحمه الله تعالى):” ومهما أشار عليه شيخه بطريق في التعليم فليقلده وليدع رأيه، فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه”
* الثاني: التواضع وخدمة الشيخ؛ لأن في ذلك العز والرفعة، وهي سنة العلماء، فقد أخذ ابن عباس (رضي الله عنهما) – مع جلالته – بركاب زين بن حارثة الأنصاري (رضي الله عنه) وقال: ” هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا” ، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه لما عوتب على تواضعه للعلماء:
أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ولن تكرم النفس التي لا تهينها
وقال الإمام أحمد (رضي الله عنه) لخلف الأحمر (رحمه الله تعالى):” لا أقعد بين يديك، بن حنبل أمرنا أن نتواضع في ذلك لمن نتعلم منه”، وقال الغزالي (رحمه الله تعالى):” لا ينال العلم إلا بالتواضع”.
وداخل في ذلك التقرب إلى الله بخدمة الشيخ، والمبالغة في حرمته – أي: احترامه-.
ثالثها: تعظيم حرمة – أي: احترام – الشيخ، واعتقاد درجة الكمال فيه، فإن ذلك أقرب إلى نفعه به، وذلك يقتضي شيئين:
*أولهما: الانصراف عن عيوب الشيخ، وعدم التوجه لاستكشاف شيء منها، بل كان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه تصدق بشيء وقال: ” اللهم استر عيب شيخي عني، ولا تذهب بركة علمه مني”.
*والثاني: إجلال الشيخ فعلاً وقولاً، يقول الإمام الشافعي (رضي الله عنه):” كنت أصفح بين يدي مالك صفحاً رفيقاً هيبة له؛ لئلا يسمع وقعها”.
ومن ذلك:
* إجلال الشيخ في الخطاب، فلا يناديه من بعد، ولا يخاطبه بتاء الخطاب وكافه، بل يقول: قلتم، وما قولكم. مع تقديم لقب التعظيم كـ ( سيدي) و ( أستاذي )
*وإجلال الشيخ في غيبته- أي: حال غيابه – ، فلا يذكره إلا مقروناً بما يشعر بالتعظيم، كـ ( قال شيخنا ) و ( قال أستاذنا ).
رابعها: معرفة فضل الشيخ، والوفاء بحقه في حياته وبعد وفاته. ومن ذلك:-
*الإقرار بفضله عليه، ولو قل أخذه عنه، يقول شعبة (رحمه الله تعالى):” كنت إذا سمعت من الرجل الحديث كنت له عبداً ما حيي”
*وتعظيم حضرته- أي: حرمته- برد غيبته، ويغضب لها، فإن عجز قام وفارق ذلك المجلس.
*والدعاء له مدة حياته بالخير.
*ورعاية ذريته وأقاربه وأوداءه بعد وفاته
*وزيارة قبره، والاستغفار له، والصدقة عنه.
*ويقتدي به في سمته وأدبه. [ قال ابن داسة (رحمه الله): إن بعض العلماء قال:” كان أبو داود يُشبه
بأحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، وكان أحمد يشبه في ذلك بوكيع، وكان وكيع يشبه في ذلك بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم ، وإبراهيم بعلقمة، وعلقمة بعبد الله بن مسعود، وابن مسعود يشبه النبي (صلى الله عليه وسلم) في هديه ودله” من: ” طبقات الشافعية” ( 2/ 296)[
خامسها: الصبر على ما يصدر من الشيخ من جفوة أو سوء خلق، قال الإمام أبو يوسف الحنفي (رحمه الله تعالى): ” يجب على الناس مداراة العالم ليقتبس من علمه”. وقال الإمام الشافعي (رضي الله عنه):” قيل لسفيان بن عيينه: إن قوماً يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا ويتركوك! فقال للقائل: إذا مثلك إن تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي”.
وينبغي عليه أن لا يصده ذلك عن ملازمة الشيخ وحسن الاعتقاد فيه مع رعاية شيئين:
أولهما:أن ينسب موجب ذلك إليه، ويجعل العتب فيه عليه، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه وأحفظ لقلبه، وأنفع للطالب في دنياه وآخرته.
والثاني: أن يبادر إلى الاعتذار عند الشيخ، ويظهر التوبة مما وقع والاستغفار.
سادسها: شكر الشيخ على عنايته به- أي: الطالب – تعليماً وتربية، وتمد ذلك من نعم الله عليه، فإن ذلك أميل لقلب الشيخ، وأبعث على الاعتناء بمصالحه – أي: مصالح الطالب.
وينبغي علي الطالب إذا أوقفه الشيخ على دقيقة أو نبهه إلى أمر ألا يظهر أنه كان عارفاً بذلك وغفل عنه إلا لمصلحة راجحة. وعليه شكر الشيخ لإفادته له، وعنايته به .
سابعها: التأدب عند الدخول على الشيخ برعاية ما يلي:
أولاً: الاستئذان في غير المجلس العام – أي: المجلس الذي أذن فيه إذناً عاماً للداخلين- ، فإن استأذن بحيث يعلم الشيخ ولم يأذن له انصرف، ولا يكرر الاستئذان.
وأما إن شك في علم الشيخ به فلا يزيد في الاستئذان فوق ثلاث مرات، وليكن طرق الباب خفيفاً إلا إن كان موضع الشيخ بعيداً عن الباب فله رفع ذلك بقدر ما يسمع لا غيره.
والأدب في ذلك أن يطرق بأظفار الأصابع، ثم بالأصابع ثم بالحلقة قليلاً قليلاً.
ثانيا: أن يدخل كامل الهيئة، على طهارة ونظافة في بدنه وثيابه، بعد أخذ ما يحتاج إليه من ظفر وشعر، وقطع رائحة كريهة. لاسيما إن كان يقصد مجلس العلم، فإنه مجلس ذكر واجتماع في عبادة.
ثالثاً: أن يكون قلبه فارغاً من الشواغل عند الدخول على الشيخ، والجلوس عنده، لينشرح صدره لما يقال ويعي ما يسمعه.فلا يأتي شيخه وذهنه غير صاف كأن يكون في حال نعاس أو غضب أو جوع شديد أو عطش.
رابعاً: أن يجتنب في ذلك:
أ – الطَّرْق على باب الشيخ حتى يخرج إليه، بل يتأدب ولا يحوج الشيخ للخروج.
ب – وإيقاظ الشيخ إن كان نائماً، وله أن ينصرف ثم يعود، وخير منه الصبر حتى يستيقظ، وكان السلف يفعلونه، فقد روي أن ابن عباس كان يجلس في طلب العلم على باب زيد بن ثابت حتى يستيقظ، فيقال له: ” ألا نوقظه لك ؟ ” فيقول : ” لا “.
جـ – وإطالة المكث عند الدخول على الشيخ في غير المجلس العام إلا إن كان الشيخ راغباً في ذلك بأن أمره به، أو حثه عليه.
د – الطلب من الشيخ أن يخصه بوقت للدخول عليه؛ لما فيه من الترفع والحمق على الشيخ والطلبة والعلم ، وربما استحيى الشيخ منه فترك لأجله ما هو أهم عنده في ذلك الوقت فلا يفلح الطالب. وأما إن ابتدأه الشيخ بوقت خاص لمصلحة رآها فلا بأس بذلك. وكذا الحال في طلب اقراء الشيخ في وقت لم تجر عادته بالإقراء فيه، أو يشق عليه – أي: الإقراء – فيه.
هـ – وإهمال أدب دخول جماعة الطلبة على الشيخ عند الإذن لهم، إذا إن الأدب أن يتقدم أفضلهم وأسنهم بالدخول والسلام عليه، ثم يسلم عليه الأفضل فالأفضل.
مقتطف من (التبصرة بتلخيص التذكرة)لخادم الشريعة