عنوان: منهج النقد الإسلامي
(الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
بسم الله الرحمن الرحيم
للنقد الصحيح منهج يقوم على ثلاث ركائز :
الركيزة الأولى : تتعلق بالناقد نفسه أصالة ، ولابد من ثلاث صفات فيه :
أولها : أن يكون ثقة في دينه ، عدلاً في نفسه ، مأموناً في قوله ؛ ولذا قال الخطيب البغدادي في ” الكفاية ” : (( إن أهل العلم أجمعوا على أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصادق المأمون على ما يخبر به )) ، والنقد فيه إخبار وتقويم .
وثانيها : أن يكون على علم ، فلا يقبل نقد الجاهل ، والمقصود بالعلم هنا شيئان :
أولهما : العلم بالشرع أو في المسائل التي ينتقدها الإنسان .
والثاني : العلم بطريقة النقد ، وسيأتي الكلام عن ذلك قريباً .
وثالثها : أن يكون ذا إنصافٍ وَعَدْلٍ . يقول ابن تيمية – يرحمه الله – في ” منهاج السنة النبوية ” : « ومعلومٌ أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون الصحابة مثل الملوك المختلفين على الملك والعلماء والمشايخ المختلفين في العلم والدين : وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم فإن العدل واجب لكل أحدٍ على كل أحد في كل حال »، والظلم محرم مطلقاً ، لا يباح قط بحال ، ولذا فقد قال الله سبحانه : { ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } .
الركيزة الثانية : تتعلق بالشيء الذي يُنقد ، وله شرطان :
الأول: أن يكون شيئاًً يدخله الخطأ ، فلا يصح نقد المبرَّأ منه ككلام الله سبحانه .
الثاني : أن يجوز نقده في شرع الله ، فلا يجوز نقد الأنبياء والصحابة مثلاً .
الركيزة الثالثة : تتعلق بطريقة النقد ، إذ له صفة تقوم على ثلاث قواعد :
<!–[if !supportLists]–> – <!–[endif]–>القاعدة الأولى : تصحيح النية ، فلا يكون لأجل التَّشَفِّي أو الهوى ، ولكن لتصحيح المسيرة ، وتقديم النصيحة , و« الدين النصيحة » ، وكم من أناس ظنُّوا أنهم على مركب هداية ، وهم قد امتطوا جواد الهوى والعياذ بالله .
ومما يعين على تصحيح النية في ذلك أمور :
<!–[if !supportLists]–> – <!–[endif]–> منها : أن تنظر إلى عيوب نفسك ، فأنت لست مبرَّأً ، يقول ابن القيم – يرحمه الله – في ” مفتاح دار السعادة ” : (( إن شهود العبد ذنوبه وخطاياه موجبٌ له ألا يرى لنفسه على أحد فضلاً ، ولا له على أحد حقًّا )) .
<!–[if !supportLists]–> – <!–[endif]–>ومنها : أن تضع نفسك موضع المنقود ، فإن ذلك يسهل لك تحسين النية ، ولذلك قال الإمام القرطبي – يرحمه الله – عند تفسيره لقول الله تعالى : { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين } قال : لو أن فضلاء الصحابة ومن سمعوا بقصّة الإفك وضعوا أنفسهم محل عائشة وصفوان ؛ لعلموا أن أولئك لن يفعلوا ذلك فهم أفضل منهم .
<!–[if !supportLists]–> – <!–[endif]–>ومنها : أن تعلم أنه ليس هناك أحد يسلم من الخطأ ، وبذلك تشفق على من تنقده وتصحح نيتك في ذلك .
<!–[if !supportLists]–> – <!–[endif]–>القاعدة الثانية : التثبت . { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } ، وفي قراءة صحيحة : { فتثبتوا } ، والمراد بالتثبت هنا أشياء ثلاثة :
أولها : أن تَـتَثَبَّت من الناقل ، ويكون ذلك من ثلاثة جوانب :
الأول : طويته وقصده ، ولها آثارها على قالاته وجوارحه ، فينظر ؛ هل بين الناقل والجهة المنقودة عداءٌ أو حسد أو ظلم منهم إليه ؟ فإن ذلك كله كفيل بأن ينطق الأخرس بالبهتان والزور ، وما كل صاحب مظهر وهدي وسمت يؤخذ قوله ، ويكون مبرَّأً من الآفات .
الثاني : ضَبطُه ، فليس كل عدلٍ ضابطاً للأخبار ، ولذلك جاء عن جمع من السلف كربيعة بن عبد الرحمن ، والإمام مالك – رحمهم الله – : أن من الصالحين من يُستسقى به ، ولا تؤخذ عنه الأخبار . ولذا ينبغي التفريق بين الضبط والعدالة والصلاح .
الثالث: عدالتُه فلا يكون فاسقاً ، وأما بناء النقد على أخبار فسقة سواء أكانوا هيئات أو مجلات أو إذاعات أو أشخاص فلا يصح .
وثانيها : التثبت من المنقول عنه ، فينظر في حاله الغالب ، والظاهر منه ، والمعروف لديك عنه ، وقد أعمل الأئمة هذه القاعدة ، فردُّوا أخباراً لمخالفتها للمعروف والمعهود عن أئمة أخيار ، ومن ذلك ابن تيميَّة – يرحمه الله – فقد ردّ أخباراً ذكرت عن عبد القادر الجيلاني – يرحمه الله – ، وكذلك ابن القيم – رحمه الله – كان كثيراً ما يقول في ” شرحه لمنازل السائرين “: « المعروف عنه خلافه ، ولكنه تجوّز في اللفظ »، وممن ذكر هذه القاعدة الإمام السُّبكي – يرحمه الله – في ” قاعدة الجرح والتعديل ” .
وثالثها : التثبت من الكلام المنقول ، أهو خبر واضح جليٌّ أم تحليل للخبر ؟ فيفرق بين الخبر وتحليل الخبر ، فقد يحلل شخص شخصاً تحليلاً لا علاقة له بالخبر أصالة ، ثم ينقله على أنه الخبر ، وربما يدخل الناقل فهمه في الخبر ، وربَّ مُبَلِّغ أوعى من سامع .
ويُتَثبت أيضاً من الخبر أهو جَرْحٌ في نفسه أم ليس بِجَرْحٍ ؟ وقد جاء عن بعض المحدثين أنه رأى رجلاً يركب بِرْذَوْناً ، فلم يأخذ عنه الحديث ، وهذا ليس جَرْحاً في نفسه ، ولذا فإن بعض الناس قد يغمز إنساناً أنه درس على فلان ، وهذا ليس جَرْحاً في نفسه ، ولابد من التفريق بين كلام عربي تنزل عليه حقائق عربية ، وبين كلام عُرْفِـي ، فربَّ كلمة تعارف عليها الناس على أنها عيب ونقد ، وهي ليست كذلك في أصل الاشتقاق العربي.
<!–[if !supportLists]–> – <!–[endif]–>القاعدة الثالثة : معالجة الخطأ ، وهو يقوم على شيئين كما قرّره الحافظ ابن رجب – يرحمه الله – في رسالة في : ” الفرق بين النصيحة والتعيير ” :
الشيء الأول : النصيحة ، و« الدين النصيحة » كما قال النبي r ، فينبغي للمرء إذا رأى خطأ أخيه أن يبادر بنصحه برفق ولين ، وهذا هو هدي النبي r ، وقد قال النبي r : « ما كان اللين في شيء إلا زانه ، وما كان العنف في شيء إلا شانه » رواه مسلم . وهو عليه الصلاة والسلام في ذلك القدوة لا غيره .
الشيء الثاني : السَّتْر ، فلا يفضح الإنسان إخوانه ، قال الفضيل بن عياض – يرحمه الله – : (( المسلم يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويعيِّر )) ، وعليه فينبغي أن يكون ذلك سراً ، وبذلك تصح النية .
تنبيه : قد تستعمل الغلظة أحياناً على خلاف هذه القاعدة حسب حال الزمان وأهله ونحو ذلك ، كما قرره الشاطبي في ” الموافقات ” .
مقتبس من محاضرة : “النقد…لماذا؟ وكيف؟”-لخادم الشريعة