مقولة (الله لا داخل العالم ولا خارجه)عند الأشاعرة

عنوان: مقولة (الله لا داخل العالم ولا خارجه)عند الأشاعرة

بقـلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)

 

 

 

 

 

مقولة متكلمي السنة من الأشاعرة: “الله لا داخل العالم ولا خارجه” حملها بعض المناوئين لهم على نفي وجود الله؛ لأن نفي النقيضين عن الموجود الغاء لوجوده! يقول الذهبي رحمه الله في كتابه: “العلو”(رقم: 283) : ” وقال متأخري المتكلمين : أن الله تعالى ليس في السماء ، ولا على العرش ، ولا على السماوات ، ولا في الأرض ، ولا داخل العالم ولا خارج العالم ، ولا هو بائن عن خلقه ولا متصل بهم . وقالوا جميع هذه الأشياء صفات الأجسام والله تعالى منزه عن الجسم .قال لهم أهل السنة والأثر : نحن لا نخوض في ذلك ونقول ما ذكرناه اتباعا للنصوص ، وإن زعمتم … ولا نقول بقولكم ، فإن هذه السلوب نعوت المعدوم ، تعالى الله جل جلاله عن العدم ، بل هو موجود متميز عن خلقه ، موصوف بما وصف به نفسه من أنه فوق العرش بلا كيف ” ا هـ .

إلا أن المسألة مبنية على مقدمتين عند الأشاعرة:

-الأولى: أن الصفات الثبوتية عند أولي النظر نوعان:

أولهما: صفات لها ثبوت في الخارج ، بحيث تصح رؤيتها في نفسها.

والثاني: صفات اعتبارية ، كما لو أخرجتَ ثوبا من صندوق مثلا فالثوب يُوْصَف بالظهور ، والظهور أمر اعتباري ، لا ثبوت له في الخارج بحيث يصح أن يرى في نفسه بل هو أمر يعتبره الشخص.

وعليه: فقولهم: ( خارج العالم ) هو من النوع الثاني ، لا ثبوت له في الخارج.

-والثانية: أن قولهم: ( لا داخل العالم ولا خارجه ) خرج مخرج المشاكلة للخصم ، الغرض منه : نفي عدم قابلية الذات الإلهية للتحيز ، الذي هو مقدمة شرطية لتصحيح كونه : في الداخل أو الخارج.
ومعلوم دوران الحكم مع علته وجودا وعدما .

وقد قرر ذلك الأشاعرة في كتبهم، ومنه الفتيا التالية-كما في: “الدُّرُّ الثمين والمورد المعين”( / )لميارة-: “سئل الإمام العالم أبو عبد الله سيدي محمد بن جلال هل يقال المولى تبارك وتعالى لا داخل العالم و لا خارج العالم؟ فسأله السائل هكذا نسمعه من بعض شيوخنا، واعترضه بعضهم بأن هذا رفع للنقيضين، وقال بعض فقهائنا في هذه المسألة هو الكل، أي الذي قام به كل شييء، وزعم انه للإمام الغزالي وأجاب بعضهم بأن هذا السؤال معضل ولا يجوز السؤال عنه، وزعم أن ابن مقلاش هكذا أجاب عنه في شرحه على الرسالة.     وأجاب :بأنا نقول ذلك ونجزم به و نعتقد أنه لا داخل العالم و لا خارج العالم، العجز عن الإدراك إدراك، لقيام الدلائل الواضحة على ذلك عقلا و نقلا.     أما النقل فالكتاب والسنة و الإجماع:_ وأما الكتاب: فقوله تعالى: { ليس كمثله شيء و هو السميع البصير} فلو كان في العالم او خارجا عنه لكان مماثلا و بيان الملازمة واضح، أما قوله في الأول فلأنه إن كان فيه صار من جنسه فيجب له ما وجب له، وأما في الثاني فلأنه إن كان خارجا لزم إما اتصاله، وانفصاله إما بمسافة متناهية او غير متناهية، وذلك كله يؤدي لافتقاره إلى مخصص. _ وأما السنة: فقوله صلى الله عليه و سلم: (كان الله ولا شيئ معه). _ وأما الإجماع: فأجمع أهل الحق قاطبة على أن الله تعالى لا جهة له فلا فوق و لا تحت و لا يمين و لا شمال و لا أمام و لا خلف. -وأما العقل: فقد اتضح لك اتضاحا كليا مما في بيان الملازمة في قوله تعالى: { ليس كمثله شيء} والاعتراض بأنه رفع للنقيضين ساقط لأن التناقض إنما يعتر حيث يتصف المحل بأحد النقيضين و يتواردان عليه، وأما حيث لا يصح تواردهما على المحل و لا يمكن الاتصاف بأحدهما فلا تناقض، كما يقال مثلا(الحائط لا أعمى و لا بصير) فلا تناقض لصدق النقيضين فيه لعدم قبوله لهما على البدلية، وكما يقال في البارىء أيضا لا فوق ولا تحت وقس على ذلك.وقول من قال (إنه الكل) زاعما انه للغزالي -فقضية تنحو منحى الفلسفة أخذ بها بعض المتصوفة، و ذلك بعيد من اللفظ.وما أجاب به بعضهم: (بأن المعضل لا يجوز السؤال عنه )ليس كما زعم لوضوح الدليل على ذلك، وإن صح ذلك عن ابن مقلاش فلا يلتفت إليه في هذا؛ لعدم إتقانه طريق المتكلمين إذ كثير من الفقهاء ليس له خبرة به فضلا عن إتقانة”. اهـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *