مسألة: عصمة الأولياء
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
مسألة عصمة الأولياء يُنْظر فيها من جهتين:
أما الأولى: فحقيقة العصمة. و هي: حفظ الله للعبد من الوقوع في التلبس بمنهي عنه شرعا أو مستقبح عرفا-كما في: “فتح الباري”(11/501)للحافط ابن حجر رحمه الله تعالى-.
وأما الثانية : فحكم العصمة لهم. لما كانت العصمة هي الحفظ فإن الحفظ يأتي على صورتين:
أما الأولى: فحفظ واجب. وهذا خاص بالأنبياء؛ لأن وقوع المنهي عنه منهم يقتضي كوننا مأمورين بفعله، لأن الله تعالى أمرنا باتباعهم كما في قوله تعالى: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم…”.ومعلوم بطلان كون الله يأمر بالمنهي عنه، وهذه ملازمة شرعية بينهمافي صورة ملازمة عقلية.
مع كون الخلاف قد وقع في وقوعهم في صغائر على مابينه إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى في كتاب: “الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الإعتقاد”( / ) بقوله : ” أما الفواحش المؤذنة بالسقوط وقلة الديانة ، فتجب عصمة الأنبياء عنها إجماعاً …. وأما الذنوب المعدودة من الصغائر ، على تفصيل سيأتي الشرح عليه فلا تنفيه العقول . ولم يقم عندي دليل قاطع سمعي على نفيها ، ولا على إثباتها . إذ القواطع نصوص أو إجماع ، ولا إجماع إذ العلماء مختلفون في تجويز الصغائر على الأنبياء . والنصوص التي تثبت أصولها قطعاً ، ولا يقبل فحواها التأويل غير موجودة .
فإن قيل : إذا كانت المسئلة مظنونة فما الأغلب على الظن عندكم ؟ قلنا : الأغلب على الظن عندنا جوازها ، وقد شهدت أقاصيص الأنبياء في آي من كتاب الله تعالى على ذلك “انتهى المراد منه.
وأما الثانية: فحفظ جائز. وهذا يصح وقوعه للأولياء لعدم امتناعه العقلي حيث هو من الممكنات، ولم يمنع الشارع ذلك، بل في الحديث: “احفظ الله يحفظك” لكن الحال ماقرره الشيخ عبدالحليم بن محمد الرومي الحنفي(ت/1013)رحمه الله تعالى في كتابه: “رياض السادات” (ص/138) بقوله: “إلى أن قال المصنف:…والأنبياء معصومون، ويعلمون أنهم أنبياء، ودلالة الكرامة على الولاية ليست قطعية، بل ظنية. وليس الأولياء معصومين، نعم قد يكون بعضهم محفوظا من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، وهذا نادر عزيز منهم ، وأما الغالب فقد يقع منهم بعض الصغائر مع عدم الإصرار عليها، قال أبو القاسم القشيري رضي الله عنه: (فإن قيل هل يكون الولي معصوما؟ قيل: أما وجوبا كما يقال في الأنبياء فلا. وأما أن يكون محفوظا حتى لايصر على الذنوب-وإن حصلت هيئات أو هفوات أو زلات-فلاتمنع ذلك في وصفهم،…”انتهى المراد منه.
والخلاصة : أن عصمة الأولياء جائزة ، وأما وجوبها فباطل! والقول به بدعة ضلال ، لأن الولي قد يقع في ذنوب ، قال الإمام أبوبكر الكلاباذي رحمه الله تعالى في: “التعرف لمذهب أهل التصوف” ( ص74 -تحقيق الشيخ عبدالحليم محمود) :”وقال بعضهم : إن كرامات الأولياء تجري عليهم من حيث لا يعلمون ، والأنبياء تكون لهم المعجزات وهم بها عالمون ، وبإثباتها ناطقون ، لأن الأولياء قد يُخشَى عليهم الفتنة مع عدم العصمة ، والأنبياء لا يُخشَى عليهم الفتنة بها ، لأنهم معصومون ” اهـ.
وقال في: (ص75) :” ومن كان بهذه الصفة لم يكن للعدو إليه طريق بمعنى الإغواء ، لقوله عز وجل : {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} وهو مع هذا ليس بمعصوم من صغيرة ولا كبيرة ، فإن وقع في أحديهما قارنته التوبة الخالصة .
والنبي معصوم لا يجري عليه كبيرة بإجماع ، ولا صغيرة عند بعضهم ” اهـ .
وفي: “طبقات الشافعية الكبرى”(2/317-318)ما نصه: “شبهة ثالثة لهم – أي للقدريَّة في منعهم كرامات الأولياء – ووجه الانفصال عنها:
قالوا لو ظهرت لولي كرامة لجاز الحكم له بمجرد دعواه أنه يملك حبة مِن الحنطة أو فَلْساً واحداً من الفلوس من غير بينة لظهور درجته عند الله تعالى المانعة من كذبه، لا سيما فى هذا النَّزر اليسير ، لكنه باطل لإجماع المسلمين المؤيَّد بقول رسول رب العالمين وعلى آله وصحبه أجمعين: البينة على المدعي واليمين على من أنكر !
والجواب: أن الكرامة لا توجب عصمة الولي، ولا صِدْقه في كل الأمور ، وقد سُئِل شيخ الطريقة ومقتدى الحقيقة أبو القاسم الجنيد رحمه الله: أيزني الولي؟ فقال: ( وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً ).
وهب أن الظن حاصل بصدقه فيما ادعاه إلا أن الشارع جعل لثبوت الدعوى طريقا مخصوصا ورابطا معروفا لا يجوز تعديه ولا العدول عنه ألا ترى أن كثيرا من الظنون لا يجوز الحكم بها لخروجها عن الضوابط الشرعية”. انتهى
هذا، وبالله التوفيق.
تمت بحمد الله