مسألة التوسعة على العيال في عاشوراء
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
حديث : “مَنْ وَسَّع على أهله في يوم عاشوراء وَسَّع الله عليه سنته كلها” حديث مشهور، قال الهيثمي رحمه الله تعالى في : “مجمع الزوائد” (3/189) : “باب التوسعة على العيال يوم عاشوراء عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله r : “من وسع على أهله في عاشوراء وسّع الله عليه سنته كلها” رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن إسماعيل الجعفري . قال أبو حاتم : (منكر الحديث) . وعن عبد الله بن مسعود عن النبيr قال : “من وسع على عياله يوم عاشوراء لم يزل في سعة سائر سنته” رواه الطبراني في الكبير . وفيه الهيصم بن الشداخ وهو ضعيف جداً” أ.هـ.
واختُلِّف في صحة الحديث على قولين معروفين :
– أولهما : عدمُ صحته، والحكمُ باطِّراحه وبه قال جماعة، ومنهم العقيلي في “الضعفاء الكبير” (3/252) حيث قال : “ولا يثبت في هذا عن النبي r شيء إلا شيء يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مرسلاً” أ. هـ. وابن الجوزي في : “الموضوعات” : (3/573ـ نور الدين) ، والذهبي في : “ميزان الاعتدال” : (3/158) وقال : “والخبر موضوع” أ. هـ. وابن تيمية كما في “مجموع الفتاوى” (25/299ـ300) حيث قال : “ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي r “أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة” ورواية هذا كله عن النبي r كذب، ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن محمد المنتشر عن أبيه قال: “بلغنا أنه من وَسَّع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته”0 وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة” أ.هـ.وابن القيم في كتابه المسمى ب” المنار المنيف” (ص/111) حيث قال : ” أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه وغير ذلك من فضائل لا يصح منها شئ , ولا حديث واحد , ولا يثبت عن النبي r فيه شئ غير أحاديث صيامه , وماعداها فباطل وأمثل مافيها :” من وَسَّع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته” قال الإمام أحمد : لا يَصِحّ هذا الحديث” أ.هـ.
فائدة: اَلَّف محمد الزمزمي ابن الصديق في إبطال الحديث مؤلَّفاً لطيفاً سماه : “إتحاف الشرفاء في إبطال حديث التَّوسعة يوم عاشوراء” .
ـ والثاني : تصحيح الحديث ولو بمجموع طُرُقه ، وبه قال جَمْهَرة، ومنهم البيهقي في : “شعب الإيمان” (برقم : 3791) حيث قال بعد ذِكْرِ طرقه : “أسانيده كلُّها ضعيفة . ولكن إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض أَفادَ قُوَّة” أ.هـ. والعراقي في : “الأمالي” كما في: “تنـزيه الشريعة” (2/157) لابن عراق، حيث قال “قال الحافظ العراقي في : “أماليه” ورد من طرق صَحَّح بَعْضَها الحافظ ابن ناصر” أ.هـ. وحكاه السيوطي في : “اللآلئ المصنوعة”(3/111) وفيه : أنه يتقوَّى بمجموع الطرق . وكذا قَوَّاه السخاوي في: “المقاصد الحسنة” (2/112) وقال : “إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض أفاد قوَّة” أ.هـ. وكذا السيوطي كما في: “اللالئ” (2/111) قال الشوكاني في “الفوائد المجموعة” (ص/102) : “وقد أطال عليه في : “اللآلئ” بما يفيد أن طرقه يقَوِّي بعضها بعضا” ا. هـ . وقد أثبته السيوطي في “زيادات الجامع الصغير” .
والأقرب العمل بالحديث لتعدد طرقه، قَرَّره العرافي في : “جزء” له في الحديث ـ حيث قال السيوطي في : “اللآلئ” (3/111) : “قال : (وقد جمعت طرقه في جزء) هذا كلام العراقي في “أماليه” وقد لخّصت الجزء الذي جمعه في : “التعقبات على الموضوعات” أ.هـ. وللشيخ الغماري رحمه الله تعالى جزء في طرق الحديث ورواياته ، خَلُص فيه إلى تَقْويته .
ويقوِّي العمل به قاعدة : الأخذ بالضعيف في الفضائل ، يقول اللكنوي رحمه الله تعالى في : “ظفر الأماني” (ص/225) : ” (وفضائل الأعمال) أي : فضائل الأعمال الثابتة والمندوبات التي يثاب فاعلها ولا يُذَمُّ تاركها ، فإنه يجوز فيها أخذ الحديث الضعيف والعمل به ؛ لأنه إن كان صحيحاً في نفس الأمر فقد أُعطِيَ حقه من العمل، وإلا لم يُتَرتَّب على العمل به مفسدةُ تحليل ولا تحريم ، ولا ضياعُ حقٍ للغير” “وقال” وليُعلم أن مِمَّن نصَّ على قبول الحديث الضعيف في فضائل الأعمال أحمد بن حنبل وغيره، واختاره جمع عظيم من المحدثين” أ.هـ. وقال النووي رحمه الله تعالى في : “الأذكار” : (ص/7) : “قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحب العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً” ا. هـ المراد .
تنبيه : قال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى ـ كما في: “تنـزيه الشريعة” (2/158) ـ : “وأما قول الشيخ تقي الدين ابن تيمية : إن حديث التوسعة ما رواه أحد من الأئمة، وإن أعلى ما بلغه فيه قول ابن المنتشر) فهو عجيب منه، فهو ـ أي الحديث ـ كما ذكرتُه في عِدَّة من كتب الأئمة، وقد جمعتُ طرقه في جزء” أ.هـ. ومراده ما قاله ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في : “مجموع الفتاوي” (25/299ـ 313) وفيه : “وأعلى ما عندهم أَثَرٌ يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه أنه قال : بلغنا أنه من وَسَّع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته. قال سفيان بن عيينة : (جَرَّبناه منذ ستين عاماً فوجدناه صحيحاً) ، وإبراهيم بن محمد كان من أهل الكوفة، ولم يذكر مِمن سمع هذا ، ولا عَمَّن بلغه . فلعله الذي قال هذا من أهل البدع الذين يُبْغضون عليّاً وأصحابه ، ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب مقابلة الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة. وأما قول ابن عيينة فإنه لا حجة فيه ، فإن الله سبحانه أنعم عليه برزقه، وليس في إنعام الله بذلك ما يدل على أن سبب ذلك كان التوسيع يوم عاشوراء ، وقد وَسَّع الله على من هم أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار، ولم يكونوا يقصدون أن يوسعوا على أهليهم يوم عاشوراء بخصوصه” أ.هـ. ولعل هذا الكلام هو الذي حَمَلَ السيوطي في : “زيادة الجامع الصغير” أن يقول عن الحديث : “بل هو ثابت صحيح” . مع أن ما قاله سفيان بن عيينة شهد به عارفون وثقات، ومنه ما حكاه السيوطي في “اللآلئ” (2/114) أن صاحب المغرب أورد عن الإمام عبد الملك المشهور ـ أحد أئمة المالكية ـ قَوْلَه :
لا تَنْسَ لا يُنْسكِ الرحمانُ عاشورا واذْكُرْهُ لا زِلْتَ في الأخيار مذكورا
قال الرسول صـلاة الله تشمـله قولاً وَجَدْنا عليه الحـقَّ والنـورا
من بات في ليل عاشوراء ذا سَعَةٍ يكـن بعيشتِهِ في الحَوْلِ مَحْبـوراً
فارغب فَدَيْتْكَ فيما فيه رَغَّبنـا خير الورى كلهم حَيّاً ومقبـوراً
تمت بحمد الله