رد القول بسقوط قضاء الصلوات الفائتة عن المسلم
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد انتشر القول بأنه لا قضاء على المسلم للصلوات التي تركها لأيام أو سنين، بحجة أن الدين يسر! واختار التقي ابن تيمية رحمه الله عدم جواز القضاء وعدم صحته لمن تاب, قال علاء الدين البعلي في: “الأخبار العِلْمِيَّة من الاختيارات الفقهية” (ص/53) أن التقي ابن تيمية قال: “وتارك الصلاة عمداً إذا تاب لا يُشْرَع له قضاؤها, ولا تصِّح منه, بل يُكثر من التطوع. وكذا الصوم, وهو قول طائفة من السلف, كأبي عبدالرحمن صاحب الشافعي, وداود بن علي وأتباعه, وليس في الأدلة ما يُخالف هذا, بل يوافقه. وأمره عليه الصلاة والسلام المجامع في نهار رمضان بالقضاء ضعيف؛ لعدول البخاري ومسلم عنه” أ.هـ. وكذا في “مجموع الفتاوي” (22/98) وحكاه عنه في: “الإنصاف” (3/182) ثم قال: “قال ابن رجب في: “شرح البخاري”: “ووقع في كلام طائفة من أصحابنا المتقدمين أنه لا يُجزئ فعلها إذا تركها عمداً. منهم البوزجاني وأبو محمد البربهاري وابن بطة” ا.هـ.
إلا أن الاتفاق على خلاف ذلك, وهو اختيار وافق فيه ابن تيمية: الظاهرية, قال النووي يرحمه الله في “المجموع شرح المهذب” (3/76): “أجمع العلماء الذين يُعْتَدّ بهم على أن من ترك صلاة عمداً لزمه قضاؤها. وخالفهم أبو محمد علي بن حزم فقال: (لا يقدر على قضائها أبداً, ولا يصح فعلها أبداً). قال: (بل يُكثر من فِعْلِ الخير, وصلاة التطوع, ليثقل ميزانه يوم القيامة, ويستغفر الله تعالى ويتوب). هذا الذي قاله قاله مع أنه مخالف للإجماع باطل من جهة الدليل, وبسط هو الكلام في الاستدلال له, وليس فيما ذَكَر دلالةً أصلاً” ا.هـ. المراد.
وعليه: فإنه يجب في مذهبنا -مذهب السادة الحنابلة-قضاء الصلوات الفائتة على الفَوْر ولو كَثُرَت, لكن على وجهٍ لا يلحق معه ضَرَرٌ في بدنه, أو مَعيشةٍ يحتاجها. قال في “الإنصاف” (3/182): “قوله (ومن فاته صلوات لزمه قضاؤها على الفور) هذا المذهب, نصَّ عليه, وعليه جماهير الأصحاب, وقطع به كثير منهم” ثم قال: “تنبيه: قوله –أي: صاحب المقنع-: (لزمه قضاؤها على الفور) مقيد بما إذا لم يتضرر في بدنه, أو في معيشة يحتاجها؛ فإن تضَرَّرَ بسبب ذلك سقطت الفوريَّة, نصَّ عليه” أ.هـ. وبمثله في “معونة أولي النهى شرح المنتهى” (1/520-521) لابن النجار, وكذا في “كشاف القناع” (1/ ) للبهوتي, وفي “غاية المنتهى” (1/102-103) لمرعي الكرمي وغيرها.
ودليل ذلك ما أجْمَلَهُ أبو الفرج المقدسي رحمه الله في “الشرح الكبير” (3/182-183) بقوله: “وجملة ذلك: أن من فاتته صلاة لزمه قضاؤها على الفور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من شام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها” متفق عليه” ا.هـ
وأما الاستثناء للفورية عِنْدَ لُحُوقِ ضررٍ في البدنِ, أو معيشة يحتاجها _ فله علة بينها الأصحاب, قال في “معونة أولي النهى” (1/521): “(فوراً) في المنصوص. يعني: أن من فاتته صلاة فأكثر فإنه يجب قضاؤها فوراً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها” متفق عليه. ومَحَلُّ ذلك: (مالم ينضر في بدنه) بأن يضعف أو ينفر في (معيشة) يحتاجها فينقطع بذلك عنها. قال في “شرح الوجيز”: “نص الإمام أحمد على معنى هذا” انتهى. قال في “الفروع”: “وإنما تحوَّل صلى الله عليه وسلم بأصحابه لما ناموا وقال: “إن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان”؛ لأنه سنة كفعل سنة قبل الفرض” ا.هـ.
تنبيه: يُلحق بـ(معيشة يحتاجها) معيشة العيال, قال الرحيباني رحمه الله في “مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى” (1/323): “مالم ينضر بدنه” بضعفه (أو) مالم بنضر في (معيشة يحتاجها) له أو لعياله؛ دفعاً للحرج وللمشقة” أ.هـ. المراد. وقال البهوتي رحمه الله في “دقائق أولي النهى لشرح المنتهى” (1/292): “ويجب قضاءُ فائةٍ فأكثر فوراً لحديث: “من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها” متفق عليه. (ما لم ينضر في بدنه) لضعف (أو) ما لم يَنْضرَّ في (معيشة يحتاجها) له, أو لعياله؛ دفعاً للحرج وللمشقَّة” ا.هـ.
تنبيه: يُكره قضاء الفوائت من الصلوات عند حضور صلاة العيد, قال ابن النجار في: “معونة أولي النهى” (1/522): “أي يحضر, أي: وما لم يحضر (لصلاة العيد) فإنه يُكره له قضاء الفوائت حتى يَفْرَغ من صلاة العيد” أ.هـ. المراد. وبمثله في “دقائق أولي النهى” (1/292-293) و “مطالب أولي النهى” (1/323), وفيهما بيان علة الكراهة؛ حيث قالا: “فيُكره له قضاء الفوائت بموضعها؛ لئلا يُقتدى به” ا.هـ.
فائدة: اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب قضاء الفوائت من الصلوات, وأن ذلك على الفور, لكن خالف الشافعية في الفورية؛ حي جوَّزوا التراخي في القضاء كما في “المجموع شرح المهذب” (3/74). والشأن في ذلك مشهور, قال في “الفروع” (1/438 – التركي): “ويجب قضاء الفوائت (و) على الفور في المنصوص (ش)” أ.هـ. وعلامة (و) قال عنها في “الفروع”: “وما وافقنا عليه الأئمة الثلاثة, أو كان الأصح في مذهبهم (و)” ا.هـ. وعلامة (ش) أي خلافاً للشافعي, كذا بيِّنه في “الفروع” (6/1 – التركي).
هذا والله الموفق لا رب سواه.
تمت بحمد الله