مسألة: دفع اعتراض على يوم الاحتفال بالمولد الشريف
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
اعترض جماعة على المحتفلين بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم بقولهم: (إن يوم ميلاده غير محدَّدٍ لوجود الخلاف فيه، ثم إن يوم وفاة المصطفى موافق ليوم ميلاده فكيف يُظْهَر الفرح فيه؟!)
وحاصل مقولتهم إيرادان:
أولهما: أن تعيين يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول للاحتفال بالمولد الشريف مبني على مقدمة غير مسَلَّم بها، وهي: أن يوم المولد الشريف مقطوع به؛ والخلاف فيه مشهور على أقوال، فلا يصح تخصيصه بالثاني عشر.
ويُدْفع ذلك: بأن المسألة اجتهادية، ويكفي فيها الظن؛ كغيرها من مسائل الشريعة المختلف فيها، مع أن جمهور العلماء من المؤرخين والحفاظ…على أن سيدنا المصطفى ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، ومعلوم أن بناء الأحكام على مثل ذلك صحيح وجائز عند الفقهاء، ويُفَرَّق بين العقائد والأحكام الفقهية بأن العقائد الحق فيها واحد لا يتعدد خلافا للأحكام الفقهية الاجتهادية فظنية، قال الدسوقي رحمه الله تعالى في “حاشيته على أم البراهين”( ص55) : “والفرق بين العقائد والفروع : أن العقائد مطابقة لما في نفس الأمر بخلاف الفروع فإنه لا يشترط فيها المطابقة لما في نفس الأمر ؛ لأن الذي أفاده المجتهد المقلد إنما هو حكم ظني يحتمل أن يكون مطابقا لما في نفس الأمر ويحتمل أن يكون غير مطابق فأولى من قلده فيه” ا.هـ.
وكون المولد الشريف في الثاني عشر عند الجمهور قرَّره جماعة، ومنهم الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في: “البداية والنهاية”( / ) : “وقيل: لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول. نصَّ عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبي شيبة في “مصنفه” عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس أنهما قالا (ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات) وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم ” ا.هـ.
والثاني: أن الفرح بيوم المولد الشريف يناقض الحزن بمصاب وفاته صلى الله عليه وسلم؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم توفي في شهر ربيع الأول يوم الاثنين الثاني عشر.
ويُدْفع ذلك بما قاله الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى -كما في: “الحاوي”(ص/193)-: “إن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم أعظم النعم ، ووفاته أعظم المصائب لنا ، والشريعة حثت على إظهار شكر النعم ، والصبر والسكون عند المصائب ، وقد أمر الشرع بالعقيقة عند الولادة ، وهي إظهار شكر وفرح بالمولود ولم يأمر عند الموت بذبح (عقيقة) ولا بغيره ، بل نهى عن النياحة وإظهار الجزع ، فدلت قواعد الشريعة على أنه يحسن في هذا الشهر إظهار الفرح بولادته صلى الله عليه وآله وسلم دون إظهار الحزن فيه بوفاته” ا.هـ
هذا والخلاف قوي في عدم تصحيح وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول؛ حتى قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في: “فتح الباري”( / ) : “وقد اسْتَشْكل ذلك السُّهَيْلي ومنْ تبعه -أعني: كونه مات يوم الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول-، وذلك أنهم اتفقوا على أن ذا الحجة كان أوله يوم الخميس، فمهما فرضت الشهور الثلاثة توأم أو نواقص أو بعضها: لم يصح، وهو ظاهر لمن تأمله” ا.هـ.المراد.
والله الموفق لا رب سواه.
تمت بحمد الله