عنوان: حكم صيام أيام عشر ذي الحجة
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
بسم الله الرحمن الرحيم
صيام أيام العشر من ذي الحجة سوى يوم العيد مندوب بإتفاق المذاهب الأربعة، قرره السادة الحنفية كما في: ” الفتاوى الهندية”(1/201) ،والسادة المالكية كما في: “مواهب الجليل”(2/402)،والسادة الشافعية كما في: “روضة الطالبين”(2/388) ،والسادة الحنابلة كما في:”المقنع”(ص/66) ،وحكاه الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى قول الأكثر -كما في: “لطائف المعارف”(ص/461) – .
ودلت على ذلك السنة القولية والفعلية لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
-فأما السنة القولية: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة ، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر”]رواه الترمذي في: “الجامع”(رقم: 758)،وابن ماجه في: “السنن”(رقم:1728)،قال البغوي رحمه الله في:”شرح السنة”(2/624): “إسناده ضعيف”،وبمثله قال الحافظ ابن حجر رحمه في: “فتح الباري”(2/534)[
والحديث وإن ضعف سنده لكن أصل الفضل يشهد له نحو حديث “ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر . قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك”]رواه البخاري في: “الجامع”(رقم: 926)وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما[.قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى “فتح الباري”( 2 / 534): “واستُدل به-يعني:حديث ابن عباس- على فضل صيام عشر ذي الحجة؛لاندراج الصوم في العمل”أ.هـ.
-وأما السنة الفعلية: فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر”]رواه أحمد في “المسند(6/288)،وأبوداود في: “السنن”(رقم: 2437)،والنسائي في: “السنن”(2372) من طريق أبي عوانة عن الحر بن الصباح عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم به،واختُلف فيه،لكن حسنه الحافظ السيوطي رحمه الله في: “الجامع الصغير”(5 / 277-مع المناوي)[وفي رواية: ” كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم العشر”]رواه النسائي في: “السنن”(رقم: 2418)[
وأما المروي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ” ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط”]رواه مسلم في: “الجامع”(رقم: 1176 [( فمُخْتَلَف في اتصاله ،قال الدارقطني رحمه الله تعالى في: “الإلزامات والتتبع”( / ) : “ وأخرج مسلم حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ( ما صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العشر ) . قال أبو الحسن : وخالفه منصور رواه عن إبراهيم مرسلا“أ.هـ.وعلى القول باتصاله فتأوّله الفقهاء، يقول النووي رحمه الله تعالى في: “شرح صحيح مسلم”(8 / 37) : “ قال العلماء: هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا: الأيام التسعة من أول ذي الحجة.
قالوا: وهذا مما يُتأوَّل، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة، وقد سبقت الأحاديث في فضله.
وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه” يعنى العشر الأوائل من ذي الحجة.
فيتأول قولها: (لم يصم العشر) أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائما فيه، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر. ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس. ورواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي وفي روايتهما وخميسين. والله أعلم“أ.هـ.
واستحباب صيام العشر من ذي الحجة هو المأثور عن السلف الصالح، يقول الحسن البصري رحمه الله: ” صيام يوم من العشر يعدل شهرين”] كما في: “الدر المنثور”(8/501)للسيوطي[وقال عبد الله بن عون رحمه الله تعالى : “كان محمد بن سيرين يصوم العشر – عشر ذي الحجة كلها“]رواه ابن أبي شيبة في: “المصنف”( 2 /300)[،وقال ليث بن أبي سليم رحمه الله تعالى : كان مجاهد يصوم العشر ، قال : وكان عطاء يتكلفها] رواه ابن أبي شيبة في: “المصنف”( 2 /300)[ . قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في: “لطائف المعارف”(ص/ 461) : “وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، وقد تقدم عن الحسن ، وابن سيرين ، وقتادة ، ذكر فضل صيامها ، وهو قول أكثر العلماء -أو كثير- منهم “أ.هـ.
وأما صوم يوم عرفة،وهو اليوم التاسع من ذي الحجة: ففيه فضل زائد، فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: “يكفر السنة الماضية والباقية”] رواه مسلم في: “الجامع”(رقم: 1162)وغيره [واتفق الفقهاء على استحباب صيام غير الحاج لعرفة واختلفوا في الحاج،كما في: “فتح الباري”(4 / 279)للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.إلا أن الأكثر –كما في: “المغني”(4/444)-على عدم استحبابه للحاج،وهو مذهب السادة المالكية كما في: “بلغة السالك”( 1 / 227)،و الشافعية كما في: “المجموع” (3 / 379)،و الحنابلة كما في: “شرح منتهى الإرادات”( 1 / 459)، خلافا للسادة الحنفية فذهبوا للاستحباب إذا كان ذلك لا يضعفه عن أعمال عرفة كما في: ” الفتاوى الهندية”( 1 / 201).
فائدة: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في: “فتح الباري”( 2 / 460) : “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة ،لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه ، وهي الصلاة ، والصيام ، والصدقة ، والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره”أ.هـ.
والله أعلم…
تمت بحمد الله