مسألة: في تعيين أهل السنة والجماعة
بقلم: خادم الشريعة (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
(أهل السنة والجماعة) لقَبٌ عُرِف به أهل الحق لتمييزهم عن أهل البدعة والضلال، وهم المشار إليهم بالطائفة الناجية في حديث الافتراق، وفيه قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:” افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، فواحدة في الجنة ، وسبعون في النار، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فإحدى وسبعين فرقة في النار ، وواحدة في الجنة ، والذي نفس محمد – صلى الله عليه وسلم – بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار. قيل يا رسول الله من هم ؟ قال :الجماعة”. وفي رواية :” ما أنا عليه وأصحابي “[رواه أحمد في:”المسند”( 2\332)، والترمذي في:”السنن”(7\297-كتاب الإيمان – باب ما جاء في افتراق هذه الأمة)،وأبوداود في:”السنن”( 5\4 – 5- كتاب السنة – باب شرح السنة)،وابن ماجه في: “السنن”( 2\1322-كتاب الفتن – باب افتراق الأمم)، وصححه الحاكم في:”مستدرك”( 1\6 -كتاب الإيمان)ووافقه الذهبي، وقال العراقي في:”المغني عن حمل الأسفار”( 3\225) :” أسانيده جياد” ، وقال ابن تيمية -كما في:”مجموع الفتاوى”( 22\360)-“الحديث صحيح مشهور”، وصححه السخاوي في:”المقاصد الحسنه”(ص/158)،ورمز السيوطي لصحته في:”الجامع الصغير”(2\20-مع”فيض القدير”)وقال المناوي : “قال الزين العراقي: أسانيده جياد ، وقد عدَّه السيوطي من المتواتر”أ.هـ.وكذا عدَّه الكتاني في “نظم المتناثر”( 32-34) حديثا متواترا]، يقول الشهرستاني في “الملل والنحل”( 1\13)عند كشفه حقيقة الفرق : “والناجية أبدا من الفرق واحدة” ا.هـ.
ثم إن معيار ذلك راجع إلى أصول الدين وما إليها، يقول العلامة سلامة القضاعي رحمه الله تعالى في: “البراهين الساطعة”(ص/167) : “الإفتراق الذي أنذره الرسول أمته إنما هو في أصول الدين وفروعه المتواترة، وفيما أجمع عليه منها؛ ولذلك ألف كثير من الجهابذة مؤلفات خاصة فيما تقدمهم من الإجماعات ليحذر خلافها من بعدهم ممن يتأهل للاجتهاد.
وهذه الأصول أصول الدين وما ألحق بها هي بحمد الله محل وفاق على ممر القرون، والخلاف فيها هو معيار الابتداع، والقائل به يعرف عند أهل السنة بالمبتدع. فأحكم علم ذلك يرتفع عنك كثير من تشغيب المبتدعة ومن سايرهم من الجهلة”انتهى المراد.
وعليه فلقب (أهل السنة والجماعة) يُطلق على الموافقين للحق في أصول الدين وما إليها على مختلَفِ مُسَمَّياتهم ومواقعهم في أمة الإسلام؛ لذا قال الإمام عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي رحمه الله تعالى في: “الفرق بين الفرق”( ص/ 276- 278) :”الفصل الأول من فصول هذا الباب في: بيان أصناف أهل السنة والجماعة .
اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس :
1 – صنف منهم أحاطوا علماً بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإِمامة والزعامة..
2 – والصنف الثاني منهم : أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث من الذين اعتقدوا في أُصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية وتبرَّؤُا من القدر والاعتزال، وقالوا بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على الكفرة، وقالوا بإِمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة، ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرؤا من أهل الأهواء الضالة، ورأَوْا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن إِجماع الصحابة، ويدخل في هذه الجماعة أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم.
3 – والصنف الثالث منهم: هم الذين أحاطوا علماً بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.
4 – والصنف الرابع منهم : قوم أحاطوا علماً بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف، وَجَروْا على سَمْتِ أئمة اللغة كالخليل وأبي عمرو بن العلاء وسيبويه.
5 – والصنف الخامس منهم : هم الذين أحاطوا علماً بوجوه قراءات القرآن وبوجوه تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفق مذاهب أهل السنة دون تأويلات أهل الأهواء الضالة.
6ـ والصنف السادس منهم :
الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختَبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك مسؤول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدُّوا خير الإِعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقَيْ العبارة والإِشارة على سَمْتِ أهل الحديث دون من يشتري لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينُهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويضُ إِلى الله تعالى، والتوكلُ عليه والتسليمُ لأمره، والقناعةُ بما رزقوا، والإِعراضُ عن الاعتراض عليه. {ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتِيهِ مَنْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ} (الجمعة/4).
7 – والصنف السابع منهم: قوم مرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة، يجاهدون أعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين.
8 – والصنف الثامن منهم: عامة البلدان التي غلب فيها شعائر أهل السنة ، دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة”.ا.هـ.
لكن عند الاستقراء فإنهم يرجعون من جهة طريقة تقرير أصول الدين إلى ثلاثة، يقول العلامة محمد بن أبي الفضل البَكِّي الكُوْمي رحمه الله تعالى في:”تحرير المطالب لما تضمنته عقيدة ابن الحاجب”(ص/40-ت:نزار حمادي)”واعلم أنّ أهل السنة والجماعة كلّهم قد اتفقوا على مُعتقَدٍ واحد فيما يَجبُ ويجوزُ ويستحيلُ، وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة إلى ذلك، أو في لِمِّيَّة المسالك.
وبالجملة، فهم بالاستقراء ثلاث طوائف:
الأولى: أهل الحديث، ومعتمَد مبادئهم الأدلةُ السمعيّة، أعني الكتاب والسنّة والإجماع.
الثانية: أهل النّظر العقلي والصناعة الفكرية، وهم الأشعرية والحنفية، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي رحمه الله، وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مَطلبٍ يتوقَّفُ السمعُ عليه، وفي المبادئ السمعية فيما يدرِك العقلُ جوازَه فقط، والعقليةِ والسمعيةِ في غيرهما، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية، إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد، وستأتيان.
الثالثة: أهل الوجدان والكشف، وهم الصوفية(1). ومبادئهم مبادئُ أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية”.ا.هـ.
وينبغي التفرقة بين مقامين هنا:
الأول: مقام تعداد أصناف أهل السنة والجماعة وسبق
والثاني: مقام تعيين أهل السنة في تقرير مسائل أصول الدين على الوجه الكلامي، فهؤلاء هم أتباع الإمامين: أبي الحسن الأشعري( علي بن إسماعيل المتوفى سنة 324ﻫ) وأبي منصور الماتريدي(محمد بن محمد بن محمود السمرقندي المتوفى سنة 333هـ)رحمهما الله تعالى، يقول المرتضى الزبيدي رحمه الله تعالى في:”إتحاف السادة المتقين” (2 / 6) :”إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية”.ا.هـ.ويقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في: “الزواجر عن اقتراف الكبائر”(ص/82) :”المـراد بالسنة ما عليه إماما أهل السنة والجمـاعة الشيخ أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي” ا.هـ.ويقول طاش كبري زاده رحمه الله تعالى في:”مفتاح السعادة”( 2 / 33):”ثم اعلم أن رئيس أهل السنة والجماعة في علم الكلام رجلان، أحدهما حنفي والآخر شافعي، أما الحنفي: فهو أبو منصور محمد بن محمود الماتريدي، إمام الهدى…وأما الآخر الشافعي: فهو شيخ السنة ورئيس الجماعة إمام المتكلمين وناصر سنة سيد المرسلين والذاب عن الدين والساعي في حفظ عقائد المسلمين، أبو الحسن الأشعري البصري… حامي جناب الشرع الشريـف من الحديـث المفترى، الذي قـام في نصرة ملـة الإسـلام فنصرها نصراً مؤزراً” ا.هـ.
إذا تقرر ما سبق: فإن المنهج المرتضى عند الأَئمّة كالإِمام مالكٍ رضي الله عنه في نَحو(الصّفات السَّمعية) هو نهج أهل الحديث والآثار،قال أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ (ت/489هد) –كما في: “الحجة في بيان المحجة”(2/223)-: “إن الله ابى أن يكون الحق والعقيدة الصحيحة إلا مع أهل الحديث والآثار ، لأنهم أخذوا دينهم وعقائدهم خلفا عن سلف ، وقرناً عن قرنٍ إلى أن انتهوا إلى التابعين ، وأخذه التابعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا طريق إلى معرفة ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من الدين المستقيم ، والصراط القويم ، إلا هذا الطريق الذي سلكه أصحاب الحديث”انتهى
هذا والله الموفق لا رب سواه
—————————————–
(1) ,والمراد ب(الصوفية) هنا ونحوه- الملتزمون بالسنة،المجانبون للبدع المضلة، ومنهم (الشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية ، وأبو القاسم القشيري في الرسالة : كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة ، ومذهب أهل الحديث ، كالفضيل بن عياض والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وعمرو بن عثمان المكي وأبي عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي وغيرهم ، وكلامهم موجود في السنة ، وصنفوا فيها الكتب ) قاله التقي ابن تيمية في: “الصفدية”(1/267)رحمه الله.
تمت بحمد الله