عنوان: تسويد سيدنا المصطفى في الصلاة مسألة خلافية
بقـلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
لا شك أن سيدنا المصطفى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد الخلق أجمع وأفضلهم، يقول العلامة البيجوري رحمه الله تعالى في: “تحفة المريد”(ص/303) : “وأفضليته صلى الله عليه وسلم على جميع المخلوقات مما أجمع عليه المسلمون حتى المعتزلة” ا.هـ.المراد.
وجاءت الدلائل على إطلاق السيادة على سيدنا المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:
فمن الكتاب: قول الله تعالى: “لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا” (63: سورة النور) قال قتادة-كما في: “تفسير ابن كثير”(3/306)-: “أمر الله تعالى أن يهاب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأن يبجل ويعظّم وأن يسّود”
ومن السنة الشريفة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة”رواه البخاري في: “الجامع”(رقم/3340) ومسلم في: “الصحيح” (رقم/479) وفي رواية عند الحاكم في: “المستدرك”( / ) : ” أنا سيد العالمين…”
ومن الأثر: خبر سهل بن حنيف رضي الله عنه، وفيه قال: مررنا بسيل فدخلت فاغتسلت فيه فخرجت محموماً فنمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فقال: “مروا أبا ثابت يتعوذ” قال فقلت : يا سيدي والرقى صالحة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم “لا رقى إلا في نفس أو حمة أو لدغة” رواه أبو داود في: “السنن”(رقم/3888) وصححه الحاكم في: “المستدرك”(رقم/ 8320)
واختلف الفقهاء في حكم توقير سيدنا رسول الله بذكر السيادة في الصلاة،فجاء في: “المطالع”(ص/110) ما نصه: “الصحيح: جواز الإتيان بلفظ(السيد) و (المولى) ونحوهما=مما يقتضي التشريف والتوقير والتعظيم في الصلاة على سيدنا محمد وإيثار ذلك على تركه، ويقال في الصلاة وغيرها إلا حيث تعبد بلفظ ما روي فيقتصر على ما تعبد به أو في الرواية-يعني: حكايتها- فيؤتى بها على وجهها”انتهى.وفي: “القول البديع”(ص/ )للسخاوي ما نصه: ” ذكر المجد اللّغوي ما حاصله أنّ كثيرا من النّاس يقولون ” الّلهمّ صلّ على سيدنا محمّد” وأنّ في ذلك بحثا، أمّا الصلاة في التشهّد فالظاهر أنّه لا يقال اتّباعا للّفظ المأثور ووقوفا عند الخبر الصحيح، وأمّا في غير الصلاة فقد أنكرَ صلّى الله عليه و سلّم على من خاطبه بذلك كما في الحديث المشهور و إنكاره يُحتمل أن يكون تواضعا منه صلى الله عليه و سلّم أو كراهية منه أن يُحمد و يُمدح مشافهة أو لغير ذلك ،و إلاّ فقد صحّ قوله صلّى الله عليه و سلّم (أنا سيّد ولد آدم) وقوله للحسن (إن ابني هذا سيد) وقوله لسعد (قوموا إلى سيّدكم) وورد قول سهل بن حنيف للنبي صلى الله عليه و سلّم يا سيدي في حديث عند النسائي في عمل اليوم و الليلة، و قول ابن مسعود اللهم صلّ على سيد المرسلين وفي كلّ هذا دلالة واضحة وبراهين لائحة على جواز ذلك. والمانع يحتاج إلى إقامة دليل سوى ما تقدّم لأنّه لا ينهضُ دليلا مع حكاية الاحتمالات المتقدمة” ا.هـ.المراد.
وعليه: فالمسألة خلافية اجتهادية عند العلماء ،وحديث: ” لا تُسيّدوني في الصلاة” قال عنه ملا علي القاري رحمه الله تعالى في: ” المصنوع”( 1/206) : “حديث “لا تسيدوني في الصلاة” قال السخاوي: لا أصل له”أ.هـ. وحديث: “إنما السيد الله” رواه أحمد في ” مسنده ” فقال الشمس ابن مفلح رحمه الله تعالى في ” الآداب الشرعيه “(4/106) : “قال ابن الأثير في النهاية : أي هو الذي يحق له السيادة ، كأنه كره أن يحمد في وجهه وأحب التواضع ، ومنه الحديث لما قالوا : أنت سيدنا ، قال : قولوا بقولكم . أي : ادعوني نبيا ورسولا كما سماني الله ، ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم ، فإني لست كأحدهم ممن يسودكم في أسباب الدنيا”أ.هـ المراد. وقال النبهاني رحمه الله تعالى في: “سعادة الدارين”( / ) : “قال ابن حجر في (الدرّ المنضود) في زيادة سيدنا قبل محمد خلاف فأمّا في الصلاة فقال المجد اللغوي الظاهر أنّه لا يقال اقتصاراً على الوارد وقال الأسنوي في حفظي أنّ الشيخ عز الدين بن عبد السلام بناهُ ـأي في التشهد ـ على أنّ الأفضل امتثال الأمر أو سلوكُ الأدب فعلى الثاني يُستحب اهـ
وهذا هو الذي مِلتُ إليه في شرح الإرشاد وغيره لأنّه صلّى الله عليه وسلّم لما جاءَ وأبوبكر يؤمُّ النّاس فتأخّرَ أمرَهُ أن يثبُت مكانَه فلم يمثَتلْ ثمّ سألهُ عن الفراغ بعدَ ذلك فأبدى لهُ أنّه فعله تأدُّباً لقوله ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدّمَ بين يدي رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم فأقرّهُ النبي صلى الله عليه وسلّم على ذلك وهذا فيه دليل أيّ دليل على أنّ سلوك الأدب أولى من امتثال الأمر الذي علم عدم الجزم بقضيّته.
ثمّ رأيتُ ابن تيمية أنّه أفتى بتركها وأطالَ فيه وأنّ بعض الشافعية والحنفية ردّوا عليه وأطالوا في التشنيع عليه وهو حقيق بذلك وورَد عن ابن مسعود مرفوعا موقوفا وهو أصحّ حسّنوا الصلاة على نبيّكم وذكر الكيفية وقال فيها على سيّد المرسلين وهو شامل للصلاة وخارجها.
وعن المحقق الحلال المحلى أنّه قال الأدب مع من ذكره صلّى الله عليه و سلّم مطلوب شرعا بذكر السيد ففي حديث الصحيحين قوموا إلى سيدكم أي سعد بن معاذ وسيادتُه بالعلم والدين وقول المصلي اللّهم صلّ على سيّدنا محمّد فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب فهو أفضل من تركه فيما يظهر من الحديث السابق انتهى كلام ابن حجر قلتُ وممّا يُستدلُّ لذلك ما حكاهُ في آخر الكتاب المذكور في معرض تحريم ندائه صلّى الله عليه و سلّم وكنيته عن قتادة أنّه قال أمر الله تعالى أن يُهابَ نبيُّه وأن يبجّلَ ويُعظّمَ ويسوّد والحق أنّ تسييده حسن في كلّ حال صلّى الله عليه و سلّم” ا.هـ.
والله الموفق لا رب سواه، وصلى الله على سيد السادات مولانا محمد وآله وصحبه أجمعين
تمت بحمد الله