عنوان: الصفات السمعية عند الحنابلة من المتشابه
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
بسم الله الرحمن الرحيم
شنَّع التقي ابن تيمية رحمه الله على الحنابلة الذين يجعلون أخبار الصفات المسماة ب(الصفات السمعية) من باب المتشابه الذي لا يبحث عن معناه! وقال –كما في: “مجموع الفتاوي”(17/363) – : “والمنتسبون إلى السنة من الحنابلة وغيرهم الذين جعلوا لفظ التأويل يعم القسمين، يتمسكون بما يجدونه من كلام الأئمة المتشابه، مثل قول أحمد في رواية حنبل: (ولا كيف ولا معنى)، فظنوا أن مراده أنا لا نعرف معناه!”أ.هـ.المراد.
وما حكاه التقي ابن تيمية عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه مشهور، ونقله الخلال في “كتاب السنة” عن حنبل بن إسحاق رحمه الله أنه قال :“سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى “إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا” . و “إن الله يرى” و “إن الله يضع قدمه” وما أشبه هذه الأحاديث ؟ فقال أبو عبد الله : نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ، ولا نرد منها شيئاً ، ونعلم أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم حق إذا كان بأسانيد صحاح ، ولا نرد على الله قوله ، ولا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية ، ليس كمثله شيء”أ.هـ.من “ذم التأويل”(ص/21) للموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى.
والمشهور اعتماده مذهبا عند السادة الحنابلة أن أخبار الصفات من المتشابه ، قال الموفق ابنُ قدامة رحمه الله تعالى في “رَوْضَةِ النَّاظِر “(1/186-حاشية ابن بدران) : “والصحيْحُ أنّ المُتَشابِه مَا وَرَدَ فِي
صِفَاتِ اللهِ سُبْحَانَهُ“.وقال الشمس ابن مفلح رحمه الله تعالى في “أصوله” (1/316) : “والمُحْكَم مَا اتَّضَحَ مَعْنَاهُ ، فلم يَحْتَجْ إلى بَيَان ، والمُتشابه عَكسُهُ ؛ لاشْتراكٍ أو إجمَال ، قال جماعةٌ من أصْحابنا وغيْرُهم : وما ظاهرُهُ التشْبيْه ، كصِفاتِ اللهِ“. وقال الطوفي رحمه الله في: “شرح مختصر الروضة” (2/44 ـ التركي): “والمتشابه مقابل المحكم، وهو غير المتضح المعنى، فتشتبه بعض محتملاته ببعض للاشتراك، أي: تشابهه، وعدم اتضاح معناه إما لاشتراك كلفظ العين والقرء … أو لظهور تشبيه في صفات الله تعالى، كآيات الصفات وأخبارها، نحو: “ويبقى وجه ربك”، “لما خلقت بيدي”، “بل يداه مبسوطتان”، “يد الله ملأى لا تَغِيضها النفقة”، فيضع الجبار قدمه”، “فيظهر لهم في الصورة التي يعرفونها”، “خلق الله آدم على صورة الرحمن”، ونحو ذلك مما هو كثير في الكتاب والسنة؛ لأن هذا اشتبه المراد منه على الناس، فلذلك قال قوم بظاهره فجسموا وشبهوا، وفَرَّ قوم من التشبيه فتأولوا وحَرَّفوا فعطَّلوا، وتوسط قوم فسلَّموا وأَمَرُّوه كما جاء مع اعتقاد التنزيه فَسَلِموا، وهم أهل السنة” ا.هـ.وقال العلاء المرْداوي رحمه الله تعالى في “التحْبيْر شَرْح التحْريْر” (3/1395) :” والأصح : أنّ المُحْكم ما اتضح مَعْنَاهُ ، والمُتَشابَه عَكسُهُ، لاشتراكٍ أو إجمالٍ ، أو ظهورِ التشبيْه ، كصفات الله تعالى“.وكذا في: “شرح الكوكب المنير”( / ). وقال مرعي الكرمي رحمه الله تعالى في: “أقاويل الثقات”(ص/65ـ66): “هذا كلام أئمة الحنابلة ولا خصوصية لهم في ذلك ، بل هذا مذهب جميع السلف والمحققين من الخَلَف. قال الحافظ السيوطي في كتابه: “الإتقان”: “من المتشابه آيات الصفات، ولابن اللَّبَّان فيها تصنيف مُفْرد، نحو: “الرحمن على العرش استوى”، “كل شيء هالك إلا وجهه”، “ويبقى وجه ربك”، “ولتصنع على عيني”، “يد الله فوق أيديهم”، “لما خلقت بيدي”، “والسموات مطويات بيمينه“. وجمهور أهل السنة، منهم السلف وأهل الحديث: على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نُفَسِّرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها” ا.هـ المراد.
وعليه حكموا بشيئين:
-أولهما: عدم جواز الخوض في المتشابه كأخبار الصفات بتأويل؛لأنه قول بالظن، يقول مرعي الكرمي رحمه الله تعالى في:”أقاويل الثقات”(ص/55)
“ مذهب السلف وإليه ذهب الحنابلة وكثير من المحققين عدم الخوض خصوصا في مسائل الأسماء والصفات فإنه ظن والظن يخطئ ويصيب فيكون من باب القول على الله بلا علم وهو محظور ويمتنعون من التعيين خشية الإلحاد في الأسماء والصفات ولهذا قالوا والسؤال عنه بدعة فإنه لم يعهد من الصحابة التصرف في أسمائه تعالى وصفاته بالظنون وحيث عملوا بالظنون فإنما عملوا بها في تفاصيل الأحكام الشرعية لا في المعتقدات الإيمانية وروى الشيخان وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى قوله أولوا الألباب آل عمران( 7) قالت فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم وروى الطبراني في الكبير عن أبي مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال أن يكثر لهم المال فيتحاسدوا فيقتتلوا وأن يفتح لهم الكتاب فيأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الحديث.وفي حديث ابن مردويه أن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم فاعملوا يه وما تشابه فآمنوا به…”ا.هـ.
-والثاني: تفويض معنى المتشابه إلى الله كأخبار الصفات، قرره ابن حمدان رحمه الله تعالى في: “نهاية المبتدئين”(ص/30)،وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في: “فضل علم السلف على الخلف”(ص/4) : “والصواب ما عليه السلف الصالح من إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت من غير تفسير لها ولا تكييف ولا تمثيل: ولا يصح من أحد منهم خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد ولا خوض في معانيها“أ.هـ.المراد. وشرحه السفاريني رحمه الله تعالى في:”لوامع الأنوار”(1/97) بقوله: “فكل ما جاء عن الله تعالى في القرآن العظيم من الآيات القرآنية أو صح مجيئه في الأخبار بالأسانيد الثابتة المرضية عن رواة ثقات في النقل، وهم العدول الضابطون المرضيون عند أهل الفن العارفين بالجرح والتعديل، من الأحاديث الصحيحة، والآثار الصريحة: مما يوهم تشبيهاً أو تمثيلاً فهو من المتشابه، الذي لا يعلمه إلا الله. نؤمن به، وبأنه من عند الله تعالى، ونُمِرِّه كما قد جاء عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم… فمذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تكييف، وهو سبحانه: “ليس كمثله شيء” لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فالله تعالى منزه عنه حقيقة، فإنه تعالى مستحق الكمال الذي لا غاية فوقه. ومذهب السلف عدم الخوض في مثل هذا، والسكوت عنه، وتفويض علمه إلى الله تعالى” ا.هـ المراد.
ثم قال رحمه الله عن الحنابلة (1/107): “اعلم أن مذهب الحنابلة هو مذهب السلف، فيصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. فالله تعالى ذات لا تشبه الذوات، متصفة بصفات الكمال التي لا تشبه الصفات من المحدثات. فإذا ورد القرآن العظيم، وصحيح سنة النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بوصف للباري جلَّ شأنه تلقيناه بالقبول والتسليم، ووجب إثباته له على الوجه الذي ورد، ونكل معناه للعزيز الحكيم، ولا نَعْدِل به عن حقيقة وصفه، ولا نُلْحِد في كلامه ولا في أسمائه ولا في صفاته، ولا نزيد على ما ورد، ولا نَلْتفت لمن طعن في ذلك ورد.
فهذا اعتقاد سائر الحنابلة كجميع السلف، فمن عدل عن هذا المنهج القويم زاغ عن الصراط المستقيم وانحرف. فدع عنك فلاناً عن فلان، وعليك بسنة سيد عدنان، فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، والجنة الواقية التي لا انحلال لها. والله تعالى الموفق” ا.هـ.
ومع ذلك فهناك نوع من التفويض باطل، وله صورتان مشهورتان:
ـ أولاهما: القول بأن آيات وأحاديث الصفات لا معنى لها، ولا مفهوم منها. والحنابلةُ يُقرُّون بأن للآيات والأحاديث معاني، ولكنهم يَكِلون معنى الصفة منها إلى الله، مع قطعهم أن لها معنى لائقا به سبحانه. فقوله عز وجل: “بل يداه مبسوطتان” قال عنها ابن الجوزي رحمه الله في: “زاد المسير” (2/234): “والمراد بقوله: “بل يداه مبسوطتان” أنه جواد ينفق كيف يشاء، وإلى نحو هذا ذهب ابن الأنباري. قال ابن عباس: إن شاء وسَّع في الرزق، وإن شاء قَتَّر” ا.هـ.
وقطع السادة الحنابلة بأنه ليس في كتاب الله ما لا معنى له، وفي ذلك يقول العلاء المرداوي رحمه الله في: “شرح التحرير” (3/1399): “(وليس فيه ـ أي: الكتاب… ما لا معنى له) وهذا مما يقطع به كل عاقل، ممن شم رائحة العلم، ولا يخالف في ذلك إلا جاهل أو معاند؛ لأن ما لا معنى له هذيان، ولا يليق النطق به من عاقل، فكيف بالباري سبحانه وتعالى” ا.هـ. وقال ابن النجار رحمه الله في: “شرح الكوكب المنير” (2/144): “لأنه لا يخالف فيه إلا جاهل أو معاند؛ لأن ما لا معنى له هذيان لا يليق أن يتكلم به عاقل، فكيف بالباري سبحانه وتعالى” ا.هـ.
ـ والثانية: القول بأن التفويض يَشْمل جميع أسماء الله وصفاته! والحنابلة يُقرُّون بأن معاني الأسماء والصفات معروفة لنا، سوى ما أوهم التشبيه والتمثيل كـ (الوجه)، و(اليد)، و(الأصبع)، و(الرجل)، و(القدم)، و(الساق)، و(النزول)، و(العين)، و(المجيء)، و(الإتيان). وفي ذلك يقول العلامة السفاريني رحمه الله في: “لوامع الأنوار” (1/97): “فكل ما جاء عن الله تعالى في القرآن العظيم من الآيات القرآنية أو صَحّ مجيئه في الأخبار بالأسانيد الثابتة المرضية عن رواة ثقات في النقل، وهم العدول الضابطون المرضيون عن أهل الفن العارفين بالجرح والتعديل، من الأحاديث الصحيحة، والآثار الصريحة: مما يوهم تشبيهاً أو تمثيلاً فهو من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله. نؤمن به، وبأنه من عند الله تعالى، ونُمِرُّه كما قد جاء عن الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم” ا.هـ المراد.
هذا وبالله التوفيق
تمت بحمد الله
<!–[if !supportLineBreakNewLine]–>
<!–[endif]–>