بسم الله الرحمن الرحيم
إنما التَكْفِيْر مردّه إِلَى كتاب الله وسنة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فالتَكْفِيْر حكم شرعي كغيره مِنْ أحكام الإسلام؛ فلابد مِنْ تطلابه في موارده المعروفة، ومرجع ذَلِك جميعاً إِلَى كتاب الله وسنة النَّبِيّ e.
وقد اشتهر عَنْ الأئمة عَلَى اختلاف مذاهبهم تَقْرِيرُ ذَلِك، فهاهو أبو حامد الغزالي(1) –يَرْحَمُه الله- في كتابه [فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة] يقول:’’الكفر حكم شرعي كالرق والحرية مثلاً، ومعناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي فيدرك إما بنص وإما بقياس عَلَى منصوص‘‘(2)
ويقول القاضي عياض–يَرْحَمُه الله-كما في كتابه المشهور المسمى [بالشفا]:’’اعلم أَنَّ تحقيق هَذَا الفصل وكشف اللبس فيه – وهو يتكلم عَنْ التَكْفِيْر – مورده الشرع ولا مجال للعقل فيه‘‘(3)، ويقول أيضا ابن الشاط كما في بعض كتبه يقول:’’كون أمر ما كفر -أيُّ أمرٍ كان- ليس مِنْ الأمور العقلية؛ بل هو مِنْ الأمور الوضعية الشَّرْعِيَّة، فإذا قال الشارع في أمرٍ ما هو كفر فهو كذَلِك؛ سواءً كان ذَلِك القول إنشاءً أم إخباراً‘‘.
فالأئمة عَلَى اختلاف مذاهبهم وتقدمهم وتأخرهم، أرجعوا مَسْأَلَة التَكْفِيْر إِلَى الشارع، وبينوا أَنَّ التَكْفِيْر حكم شرعي لابد أن يتعامل معه كالتعامل مَع بقية الأحكام الشَّرْعِيَّة كالحرية والرق وما إليها.
ولِذَلِك عقد الفقهاء في المذاهب المتبعة المشهورة باباً سموه باب الردة؛ ليبينوا أحكامه الشَّرْعِيَّة ، وما يتعلق بملحقاته، وهَذَا ليس إلا عملاً بتلك القاعدة، وتمثلاً لِذَلِك الأساس.
وقد أكَّد ذَلِك التقي ابن تيمية–يَرْحَمُه الله-حيث قال [درء تعارض العقل والنقل]:(1/242):’’الكفر حكم شرعي متلقى عَنْ صاحب الشريعة، والعقل قد يعلم به صواب القول وخطأه، وليس كل ما كان خطأً في العقل يكون كفراً في الشرع، كما أَنَّه ليس كل ما كان صواباً في العقل تجب في الشرع معرفته‘‘.
وقال في:[الرد عَلَى البكري] قال:’’فبهَذَا كان أَهْل العلم والسُنَّة لا يكفرون مِنْ خالفهم، وإن كان ذَلِك المخالف يكفرهم؛ لأَنَّ الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله – أي يقال لك: كافر. فتقول أنتم الكفرة؛ يقال لك: مبتدع. فتقول أنتم المبتدعة، وهكذا مِنْ ألقاب تتعلق بالإيمان والأحكام عند أَهْل السُنَّة والإيمان معروفة– فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأَهْلك، ليس لك أن تكذب عليه ولا تزني
بأَهْله؛ لأَنَّ الكذب والزنى حرام لحق الله تعالى، وكذَلِك التَكْفِيْر حق الله، فلا يكفر إلا مِنْ كفره الله ورسوله‘‘(4)
والخلاصة: أَنَّ التَكْفِيْر مَسْأَلَة شرعية لابد مِنْ إلحاقها بمَسَائِل الشرع، فلا يحكم عَلَى أحد؛ سواءً جماعاتٍ أو أفراداً بالكفر أو التَكْفِيْر لقباً ونعتاً ووصماً؛ إلا إذا حكم الشارع عليه بذَلِك.
وكَتَبَ/
(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به
الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها الله
تمت بحمد الله
(1) حجة الإسلام الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي الأصولي الفقيه أخذ العلم عن إمام الحرمين الجويني ، وعظمت منزلته جداً ألَّف تصانيف كثيرة منها : [إحياء علوم الدين] ،و[المستصفي] و[المنخول]: في أصول الفقه. ت:(505). انظر ترجمته في: [وفيات الأعيان] : (3/353) ، و[طبقات الشافعية الكبرى]: (4/101).
(2) [فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة]: (128).
(3) [الشفا]: (2/165).
(4) [الرد على البكري]:(257).
**مقتطف من (دروس في التكفير)