: الإستعاذة من كلمة (أنا)

 

عنوان: الإستعاذة من كلمة (أنا)

بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يستعيذ بعض الناس من كلمة (أنا) في المخاطبة! بحجة أن فيها غرور إبليس اللعين، كما في قوله: “أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين”

  

وذم غرور النفس مشهور في الدين الحنيف؛ لأنه سكون للهوى، وترفُّع على بني الجنس،وجهالة بالحال! يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في: “الإحياء”(3/379) : “ اعلم أن قوله تعالى (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)، وقوله تعالى (ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني…الآيةكاف في ذم الغرور“أ.هـ.

 

وعليه فإن إيراد كلمة (أنا) في الخطاب تأتي على صورتين:

-الأولى: صورة اغترار ونحوه، فهنا تكون مذمومة، ويصح الإستعاذة منها؛ لأنه من طغيان الكلمات،يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في: “زاد المعاد”(2/475) : “ وليحذر كل الحذر من طغيان (أنا) و (لي) و (عندي) ، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتُلي بها إبليس وفرعون وقارون ،(فأنا خير منه ) لإبليس ، (و لي ملك مصر) لفرعون ، (و إنما أوتيته على علم عندي) لقارون .
    وأحسن ما وضعت (أنا) في قول العبد:أنا العبد المذنب المخطىء المستغفر المعترف ونحوه. و(لي) في قوله: لي الذنب ولي الجرم ولي المسكنة ولي الفقر والذل. و(عندي) في قوله: اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي ” .أ.هـ

  وعلى نحو ذلك من المعاني المذمومة لاستعمال كلمة: (أنا) حُملتْ كراهة (أنا) في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه في الإستئذان، ونصه:  أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – في دَيْن كان على أبي ، فدقَقْتُ الباب ، فقال : ” مَنْ ذا ؟ ” فقلت : أنا . فقال : ” أنا ! أنا ! ” كأنه كرهها]رواه البخاري في: “الصحيح”(رقم/5896).ومسلم في: “الصحيح”(رقم/ 2155 )[ يقول الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى –كما في: “فتح الباري”( 11/ 36) -: “ إن السبب في كراهة قول “أنا” أن فيها نوعاً من الكبر، كأن قائلها يقول: أنا الذي لا أحتاج إلى أن أذكر اسمي أو نسبي“أ.هـ.

-الثانية: صورة لا نهي فيها، وهي الأصل في الخطاب، وورودها شائع في الأخبار، ومنه مارواه مسلم في: “الصحيح”(رقم/4407) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ؟ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، قَالَ : فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، قَالَ : فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، قَالَ : فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ 

  

وينبغي على المسلم ألا يسارع لإساءة الظن بأخيه المسلم عند سماع كلمة (أنا) ونحوها، بل يجعلها للإخبار وما إليه، قال الله سبحانه ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌوعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ“: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا”]البخاري (رقم/ 4849( ، ومسلم(رقم/ 2563)  [

 

تمت بحمد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *