عنوان: الأدب في التفات خطيب الجمعة والمستمع
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
بسم الله الرحمن الرحيم
من سنن خُطْبة الجمعة أن يَنْظُر الخطيب أمامه ، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى في :”المغني” (3/178) :” ومن سنن الخُطبة أن يَقْصد الخطيب تِلقاء وجهه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، ولأنه أبلغُ في سماع الناس ، وأعدلُ بينهم ؛ فإنه لو الْتَفَتَ إلى أحد جانبيه لأَعْرَض عن الجانب الآخر” أ.هـ. المراد .
وأما الالتفات يميناً وشمالاً فالفقهاء على كراهته ،وحُكي اتفاقا، قال الماوردي رحمه الله تعالى في: “الحاوي”(3/55) : “قال الإمام الشافعي -رضي الله عنه- في “الأم :” (ولا أحب أن يلتفت يمينا ولا شمالا ليسمع الناس خطبته ، لأنه إن كان لا يسمع أحد الشقين إذا قصد بوجهه تلقاءه، فهو لا يلتفت ناحية يُسمع أهلها إلا خفيَ كلامه على الناحية التي تخالفها ، مع سوء الأدب من التلفت)وَهَذَاكَمَاقَالَ .مِنْ سُنَّةِ الْخَطِيبِ أَنْ يَسْتَدْبِرَ بِهَا الْقِبْلَةَ ، وَيَسْتَقْبِلَ بِهَا النَّاسَ خطبة الجمعة : لِرِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} إِذَا خَطَبَ يَسْتَقْبِلُنَا بِوَجْهِهِ وَنَسْتَقْبِلُهُ بِوُجُوهِنَا : وَلِأَنَّهُ يَعِظُهُمْ بِخُطْبَتِهِ ، وَيُوصِيهِمْ بِتَقْوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَمُرَاقِبَتِهِ ، وَكَانَ إِقْبَالُهُ عَلَيْهِمْ أَبْلَغَ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا وَاسْتِقْبَالُهُمْ بِوَجْهِهِ أَبْلَغَ فِي الِاسْتِمَاعِ لَهَا ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِوَجْهِهِ قَصْدَ وَجْهِهِ ، وَلَا يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا وَلَا يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ أَئِمَّةُ هَذَا الْوَقْتِ ، مِنَ الِالْتِفَاتِ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} ، لِيَكُونَ مُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ ، آخِذًا بِحُسْنِ الْأَدَبِ ، لِأَنَّ فِي إِعْرَاضِهِ عَمَّنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ ، وَقَصَدَ بِوَجْهِهِ إِلَيْهِ ، قُبْحَ عِشْرَةٍ ، وَسُوءَ أَدَبٍ ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ قَصْدَ وَجْهِهِ عَمَّ الْحَاضِرِينَ سَمَاعُهُ ، وَإِذَا الْتَفَتَ يَمِينًا قَصَّرَ عَنْ سَمَاعِ يُسْرَتِهِ ، وَإِذَا الْتَفَتَ شِمَالًا قَصَّرَ عَنْ سَمَاعِ يُمْنَتِهِ )اهـ. وفي ذلك يقول النووي رحمه الله تعالى في :”المجوع شرح المهذب” (4/528) :” ولا يفعل ما يفعله بعض الخطباء في هذه الأزمان من الالتفات يميناً وشمالاً في الصلاة على النبي e ولا غيرها ، فإنه باطل لا أصل له . واتفق العلماء على كراهة هذا الالتفات. وهو معدود من البدع المنكرة” أ.هـ. لكن تعقَّبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في “فتح الباري”(2/402) :”وَنُقِلَ فِي شَرْح الْمُهَذَّب أَنَّ الِالْتِفَات يَمِينًا وَشِمَالًا مَكْرُوه اِتِّفَاقًا إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْض الْحَنَفِيَّة ، فَقَالَ أَكْثَرهمْ : لَا يَصِحّ”اهـ.وقد حكاه صاحب “البيان”(2/578) عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه،وهو(غريب لا أصل له)كما قال النووي رحمه الله تعالى في: “المجموع شرح المهذب”(4/357)، وفي “حاشية ابن عابدين”( / ) قال: “تنبيه: ما يفعله بعض الخطباء من تحويل الوجه جهة اليمين وجهة اليسار عند الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم- في الخطبة الثانية لم أر من ذكره، والظاهر أنه بدعة ينبغي تركه ، لئلا يُتوهم أنه سنة.ثم رأيت في “منهاج النووي” قال: “ولا يلتفت يمينا وشمالا في شيء منها” ،قال ابن حجر في “شرحه”: “لأن ذلك بدعة” انتهى” اهـ.
وينبغي على الناس أن يَسْتقبلوا الخطيب ، قال الموفق ابن قدامة في :”المغني” (3/172) :” قال ابن المنذر : هذا كالإجماع “أ.هـ. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في :”شرح البخاري” (2/402) :” قال ابن المنذر : لا أعلم في ذلك خلافاً بين العلماء “أ.هـ. وأخرج ابن ماجه في :”السنن” (1/360) من حديث عدي بن ثابت الأنصاري عن أبيه عن جده أنه قال :” كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم ” قال الهيثمي في :”الزوائد” : ” رجال إسناده ثقات إلا أنه مرسل “أ.هـ. وروي البيهقي في :”السنن الكبرى” (3/199) ـ بإسنادٍ صحيح كما قاله ابن حجر في :”شرح البخاري” (2/402) ـ ” أن سيدَنا أنساً بن مالك رضي الله عنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يستقبله بوجهه حتى يفرغ من خطبته” .
والله أعلم .
تمت بحمد الله