مسألة: إثبات الوجه لله مع التنزيه
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
الآية الكريمة”ويبـقى وجـه ربك ذو الجـلال والإكـرام” ( الرحمن / 27 ) محتملة لوصف الله بالوجه، والمشهور في تفسيرها ما لخصه ابن جُزي رحمه الله في “التسهيل لعلوم التنزيل” (2/394) بقوله “الوجه هنا عبارة عن الذات، وذو الجلال: صفة الذات؛ لأن من أسمائه تعالى الجليل، ومعناه يقرب من معنى العظيم. وأما وصفه بالإكرام: فيحتمل أن يكون بمعنى انه يكرم عباده كما قال “ولقد كرمنا بني آدم”، أو بمعنى أن عباده يكرمونه بتوحيده وتسبيحه وعبادته” ا.هـ. وشَرَحَهُ مع بيان الأقوال الآلوسي رحمه الله في “روح المعاني” (15/167–168). ومرجع الأقوال إلى مال قاله الطوفي رحمه الله في “الإشارات الإلهية” (2/311): “قيل :ذاته, وقيل: صفة له” ا.هـ.
إلا أن إثبات صفة الوجه لله يصح مع التنزيه ، ومن دلائل ذلك قوله سبحانه: “كل شيء هالك إلا وجهه” (القصص/88) وقوله ” وما تنفقون إلا ابتغاء وجـه الله ” (البقرة/272) وقوله: “والذين صيروا ابتغاء وجه ربهم” (الرعد/22) وحديث قصة الثلاثة الذين حُبِسوا في الغار وفيه: “اللهم إن كنت فعـلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحـن فيه ” البخـاري برقم : (2272) ومسلم برقم : (2743).
وإثبات ذلك عليه جمهرة من أهل الحديث، يقول عبد الواحد التميمي (ت: 410 هـ) في “معتقد الإمام أحمد” (ص/ 33) : “ومذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أن لله عز وجل وجهاً لا كالصور المصورة، والأعيان المخططة، بل وجه وصفة له بقوله “كل شيء هالك إلا وجهه” ومن غير معناه فقد ألحد عنه، وذلك عنده وجه في الحقيقة دون المجاز ، ووجه الله باق لا يبلى، وصفة له لا تفنى. ومن أدعى أن وجهه نفسه فقد ألحد، ومن غير معناه فقد كفر، وليس معنى وجه معنى جسم عنده ولا صورة ولا تخطيط، ومن قال ذلك فقد ابتدع” أ.هـ. وقال ابن جرير (ت: 310 هـ) في ” التبصير في معالم الدين” (ص 142): وله ]سبحانه[ يدان ويمين وأصابع ، وليست جارحة، ولكن يدان مبسوطتان بالنعم على الخلق، لا مقبوضتان عن الخير. ووجهٌ لا كجوارح الخلق التي من لحم ودم ” ا.هـ. المراد وقال أبو عثمان إسماعيل الصابوني (ت:449 هـ) في “عقيدة أصحاب الحديث” (ص/ 165) : ” وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن ، ووردت به الأخبار الصحاح من : ” السمع، والبصر ، والعين ، والوجه ، والعلم ، والقوة ، والقدرة ” وقال البغوي (ت:516 هـ) في “شرح السنة ” (1/168): “والإصبع المذكورة في الحديث صفة من صفات الله عز وجل وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل من صفات الله تعالى؛ كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا, والاستواء على العرش، والضحك، والفرح” أ.هـ.
مع أن احتمال الصفة في قوله : “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” جَعَلَهُ جماعة دليلاً على صفة الوجه، ومنهم البيهقي في “الاعتقاد” (ص/89) حيث قال “وهذه صفات طريق إثباتها السمع، فَنُثْيِتُها لورود خير الصادق بها، ولا نكيفها قال الله تبارك وتعالى: “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” فأضاف الوجه إلى الذات، وأضاف النعت إلى الوجه، فقال: “ذو الجلال والإكرام” ولو كان ذكر الوجه صلة –]أي: زيادة[، ولم يكن للذات صفة لقال: ذي الجلال والإكرام. فلمـا قال: ذو الجلال والإكرام علمنا أنه نعت للوجه ، وهو صفة للذات” ا.هـ.
فائدة : قال ابن عطية في : “المحرر الوجيز” (15/333): “قرأ جمهور الناس: “ذو الجـلال” على صفة لفظـة الوجـه. وقرأ عبد الله بن مسعـود وأبي: “ذي الجلال” على صفات الرب”أ.هـ. وكذا قال جماعة. ولكن المعروف وجود الخلاف في قوله: “تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام”. قال أبو القاسم الشاطبي في “حرز الأماني”:
وآخرها يا ذي الجلال ابن عامر بـواو ورسـم الشام فيه تمثلا
قال الشيخ عبد الفتاح القاضي في :” الوافي في شـرح الشاطبية” (ص/366): “قرأ ابن عامر: (تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام) آخر السورة بالواو، وقرأ غيره (ذي الجلال) بالياء وهو مرسوم بالواو في مصحف الشاميين، وبالياء في مصحف غيرهم. وأما قوله تعالى: “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام” فقد اتفقوا على قراءته بالواو, وقد رُسم بالواو في جميع المصاحف العثمانية”أ.هـ. والله الموفق.
تنبيه: قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي (ت371هـ) رحمه الله في كتاب “اعتقاد أهل السنة” (ص37- جمال عزون): «ولا يُعتقَدُ فيه _ تعالى _ الأعضاءُ والجوارحُ، ولا الطولُ والعرضُ، والغلظُ والدقّة، ونحو هذا مما يكون مثله في الخلق، فإنه ليس كمثله شيء، تبارك وجهُ ربنا ذي الجلال والإكرام».
تمت بحمد الله