Search
Close this search box.

إتحاف الأعزاء بحكم الجلوس للعزاء

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 

فهذا تقرير لمسألة جلوس أهل الميت في بيتٍ ليَقْصدهم الناس بالتَّعْـزِية، والله الموفق لارب سواه.

 

في المسألة قولان مشهوران :


 أولهما :§ جواز ذلك ، مع كون الأَوْلى عدمُهُ . وهو رواية عن أحمد ـ كما في : “الإنصاف” (6/272) ـ ومذهب الحنفية ، قال ابن الهمام رحمه الله في : “شرح فتح القدير” (2/150) : (( ويجوز الجلوس للمصيبة ثلاثة أيام ، وهو خلاف الأَولى ، ويُكره في المسجد )) أ.هـ. ، وقال في : “الفتاوي الهندية” (1/183) : (( ولا بأس لأهل المُصِيْبة أن يَجْلِسوا في البيت ـ أو في المسجد ـ ثلاثة أيام ، والناس يأْتُوْنَهم ويُعَزُّونـهم . ويُكْرَه الجلوس على باب الدار . وما يُصْنَع في بلاد العجم من فَرْش البُسُط ، والقيام على قوارع الطُرق من أقبح القبائح . كذا في : “الظهيرية” . وفي : “خزانة الفتاوي” : والجلوس للمصيبة ثلاثة أيام رخصة ، وتركه أحسن . كذا في : “معراج الدراية” )) أ.هـ. وقال الحَصْكَفي رحمه الله في : “شرح تنوير الأبصار” (3/173ـ176) : (( ولا بأس … بالجلوس لها ـ أي : التعزية ـ في غير مسجد ثلاثة أيام )) أ.هـ. وشرحه ابن عابدين رحمه الله ـ كما في : “حاشية ابن عابدين” (3/176) ـ بقوله : (( قولـه: (وبالجلوس لها) أي: للتعزية . واستعمال (لا بأس) هنا على حقيقته ؛ لأنه خلاف الأَوْلى . كما صَرَّح به في : “شرح المنية” )) . أ.هـ المراد .

 

 والثاني :§ كراهة ذلك دون تحريم . وعليه جمهور الفقهاء وأكثرهم ، وهو مذهب الشافعية والحنابلة . قال النووي رحمه الله في : “المجموع شرح المُهَذَّب” (5/278) : (( وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب : على كراهته . ونقله الشيخ أبو حامد في : “التعليق” وآخـرون : عن نص الشافعي . قالوا : يعني (بالجلوس لها) : أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية . قالوا : بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عَزّاهم ، ولا فَرْق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها . صَرَّح به الحاملي ، ونقله عن نص الشافعي رحمه الله . وهو موجود في : “الأم” )) أ.هـ. المراد . وقال المرداوي رحمه الله في : “الإنصاف” (6/272) : (( قوله : (ويُكرَه الجلوس لها ـ أي : للتعزية ـ ) . هذا المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، ونَصّ عليه ـ أي : الإمام أحمد رحمه الله ـ . قال في : “الفروع” : اختاره الأكثر . قال في : “مجمع البحرين” : هذا اختيار أصحابنا . وجزم به في : “الوجيز” وغيره. وقَدَّمه في : “الفروع” وابن تميم و”الرعايتين” و”الحاويين” وغيرهم )) أ.هـ المراد.

 

تنبيه :ـ 
عَزَى جَمْعٌ الكراهة للمالكية ، ومنهم العثماني في : “رحمة الأُمة” (ص/156) حيث قال رحمه الله : (( والجلوس للتعزية مكروه عند مالك والشافعي وأحمد)) أ.هـ. مع أن الخرشي رحمه الله في : “الحاشية” (2/349) ، والصاوي رحمه الله في : “بلغة السالك” (1/225) في آخرين أطلقوا الجواز ! لكن قال ابن مفلح رحمه الله في : “الفروع” (2/296) : (( وادَّعى بعضهم أن مذهب مالك : لا يكره جلوسهم لها )) أ.هـ .


وممن ذهب إلى الكراهة : كثير من الحنفية كما في : “الإمداد” ، حيث قال ابن عابدين في : “الحاشية” (3/176) وفي : “الإمداد” : (( وقال كثير من متأخرين أئمتنا : يكره الاجتماع عند صاحب البيت . ويكره له الجلوس في بيته حتى يأتي إليه من يعزّي ، بل إذا فرغ ورجع الناس من الدفن : فليتفرقوا ويشتغل الناس بأمورهم وصاحب البيت بأمره )) أ.هـ.


والأصح جواز ذلك مع الكراهة دون تحريم ، وبه جزم أئمة ، ومنهم الموفق ابن قدامة رحمه الله في : “الكافي” (2/75) بقوله : (( ويكره الجلوس لها ـ أي : التعزية ـ ؛ لأنه محدث )) أ.هـ. وكذا ابن قيم الجوزية رحمه الله ، كما يفيده ظاهر قوله في : “زاد المعاد” (1/527) ، حيث قال : (( وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت ، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ، ويقـرأ له القرآن ، لا عند قبره ولا غيره ، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة)) أ.هـ

 

ودليل الكراهة شيئان :


أولهما : الخبر .§ وذلك ما أخرجه أحمد في : “المسند” (برقم:6905) وابن ماجه في : “السنن” (1/490) من حديث جرير بن عبد الله البَجَلي رضي الله عنه أنه قال : (( كُنَّا نَعُدّ (وفي رواية : نرى) الاجتماع إلى أهل الميت ، وصنيعة الطعام بعد دَفْنه : من النياحة )) . قال السندي رحمه الله ـ كما في : “عون المعبود” (8/282) ـ : (( قوله : (كنا نرى) هذا بمنـزلة رواية إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، أو تقرير من النبي صلى الله عليه وسلم . وعلى الثاني فحكمه الرفع ، وعلى التقديرين فهو حجة )) أ.هـ.


والخبر صححه النووي رحمه الله في : “المجموع” (5/320) ، وقال السندي ـ كما في : “عون المعبود” (8/282) ـ : (( وهذا الحديث سنده صحيح ورجاله على شرط مسلم )) أ.هـ. وقال الشوكاني رحمه الله في : “نيل الأوطار ” (2/791) : (( وحديث جرير : أخرجه أيضاً ابن ماجه ، وإسناده صحيح )) أ.هـ. وقال البوصيري رحمه الله في : “الزوائد” ـ كما في : “سنن ابن ماجه” (1/514) تعليق : عبد الباقي ـ : (( إسناده صحيح . رجال الطريق الأول على شرط البخاري . والثاني على شرط مسلم)) أ.هـ لوجوده من طريقين عند ابن ماجه .

 

 والثاني : النظر .§ وذلك أن الاجتماع عند أهل الميت يُهَيِّج على الحزن، قال ابن عقيل رحمه الله كما في : “الشرح الكبير” (6/272) لابن أبي عمر رحمه الله : (( يُكره الاجتماع بعد خروج الروح؛ لأن فيه تَهْييجاً للحَزَن)) أ.هـ.


وقال ابن عَلاَّن رحمه الله في : “الفتوحات الربانية” (2/142) : (( ولأنه يُجَدِّد الحزن ، ويُكلِّف المُعَزَّى )) أ.هـ .


وَصْــلٌ : خبر جرير البجلي رضي الله عنه وإن كان ظاهره يفيد التحريم كما قاله القاري رحمه الله في : “مرقاة المفاتِيح” (4/96) إلا أن غاية المحفوظ عن الفقهاء : حَمْله على الكراهة ، مع حكم جمهورهم على الجلوس للعزاء بأنه بدعة ، وهو مشهور ، ومن ذلك قول ابن عَلاَّن في : “الفتوحات الربانية” (2/144) : (( قوله ـ أي : النووي ـ: (يكره الجلوس للتعزية) قالوا ـ أي : الشافعية ـ : لأنه مُحدَث ، وهو بدعة )) أ.هـ المراد . وقال المُنَجَّى التَّنُوْخِي رحمه الله في : “المُمْتِع في شرح المقنع” (2/73) : (( وأما كون الجلوس لها يكره : فلأنه مُحْدَث، مع ما فيه من تهييج الحزن )) أ.هـ. وكذا ذُكِر في كتب البدع ، كـ “الأمر بالاتباع” (ص/288) للسيوطي رحمه الله ، و”إصلاح المساجد” (ص/163) للقاسمي رحمه الله .

 

فائدة :ـ
قال النووي رحمه الله في : “المجموع” (5/279) بعد ذكره للمسألة : (( وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنـها قالت : ( لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قَتْلُ ابن حارثة وجعفر وابن رواحة رضي الله عنهم جلس يعرف فيه الحزن ، وأنا أنظر من شق الباب ، فأتاه رجل فقال : إن نساء جعفر ـ وذكر بكائـهن ـ فأمره أن ينهاهن ) رواه البخاري ومسلم )) أ.هـ . إلا أن ابن عَلاَّن في : “الفتوحات” (3/142) قال : (( وما ثبت عن عائشة من أنه صلى الله عليه وسلم لما جاء خبر قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس في المسجد يعرف في وجهه الحزن ـ فلا نُسَلِّم أن جلوسه كان لأجل أن يأتوه الناس فيعزوه ، فلم يثبت ما يدل عليه” أ.هـ

 

فائدة :ـ
اختار المَجْد أبو البركات رحمه الله : جواز اجتماع أهل الميت دون غيرهم، وهي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله كما في : “الإنصاف” (6/272ـ273) ، وفيه قال المرداوي رحمه الله : (( وعنه ـ أي : أحمد ـ : الرخصة لأهل الميت ولغيرهم ؛ خوفَ شدة الجزع . وقال الإمام أحمد : أما والميت عندهم : فأكرهه . وقال الآجري : يأثم إن لم يمنع أهله . وقال في : “الفصول” : يُكره الاجتماع بعد خروج الروح ؛ لأن فيه تهييجاً للحزن)) أ.هـ

 

تنيبه :ـ
إذا انْضَمَّ للجلوس للعَزَاء ما يُوْجِب تحريمه ـ كبدعة مُحَرَّمة ـ كان حراماً. قال النووي رحمه الله في : “الأذكار” (ص/210) : (( وهذه كراهة تنـزيه إذا لم يكن معها مُحْدَث آخر ، فإن ضُمّ إليها أمر آخر من البدع المحرمة ـ كما هو الغالب منها في العادة ـ كان ذلك حراماً من قبائح المحرمات ؛ فإنه مُحْدَث ، وثبت في الحديث الصحيح : ” إن كل مُحْدَث بدعة ، وكل بدعة ضلالة ” )) أ.هـ.

 

لَحـَـقٌ :ـ
الاجتماع عند أهل الميت على طعام يصْنَعونه لِمن أتاهم فيه روايتان عن الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ حكاهما في : “الإنصاف” ( 6/264 ) :ـ


أما الأولى :§ فكراهة ذلك دون تحريم . قال في : “الإنصاف” (6/264): “وهذا المذهب مطلقاً ، وعليه أكثر الأصحاب” أ.هـ. وهو مذهب الحنفية والمالكية والشافعية . فأما الحنفية فقَرَّره ابن الهمام رحمه الله في : “شرح فتح القدير” (2/150) بقوله : “ويكره اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت ؛ لأنه شُرِع في السرور لا في الشرور . وهي بدعة مستقبحة” أ.هـ .


وأما المالكية فقرره الدسوقي رحمه الله في : “حاشية الشرح الكبير” (1/664) بقوله : “وأما جمع الناس على طعام بيت الميت : فبدعة مكروهة” أ.هـ . وأما الشافعية فقرره الشمس الرملي رحمه الله في : “نـهاية المحتاج في شرح المنهاج” (3/43) بقوله : “ويكره كما في : “الأنوار” وغيره ، أخذاً من كلام الرافعي والمصنف ـ أنه بدعة لأهله صنع طعام يجمعون الناس عليه قبل الدفن وبعده” أ.هـ .


وأما الثانية :§ فكراهة ذلك إلا لحاجة فلا كراهة . ومن الحاجة أن يَنْزل على أهل الميت ضيوف من قرى بعيدة . قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في: “المغني” (3/497) : “فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس : فمكروه … وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز ، فإنه ربما جاءهم من يحضر مَيّتهم من القرى والأماكن البعيدة ، ويَبْيتُ عندهم ، فلا يُمْكِنهم أن لا يُضَيّفوه” أ.هـ . وقال ابن أبي عمر رحمه الله في : “الشرح الكبير” (6/264) : ” فأما إصلاح أهل البيت طعاماً للناس : فمكروه … وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز ؛ فإنه ربما جائهم من يَحْضُر ميتهم من أهل القرى البعيدة . ويبيت عندهم ، فلا يمكنهم إلا أن يُطْعِموهُ ” أ.هـ .


وظاهر تقرير الموفق وابن أبي عمر رحمهما الله اختيار الرواية الثانية لكن قال في : “الإنصاف” (6/264) : “قوله : “ولا يُصْلِحون هم طعاماً للناس” يعني: لا يُسْتحب بل يُكره . وهذا المذهب مطلقاً ، وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في : “الوجيز” و”المغني” و”الشرح” وغيرهم ، وقَدَّمه في : “الفروع” وغيره . وعنه : يكره إلا لحاجة” أ.هـ المراد.

 

ودليل صحة الكراهة شيئان :


 
أولهما :§ خبر جرير بن عبدالله ـ وسبق ـ . قال النووي رحمه الله في : “المجموع شرح المهذب” (5/290) : “ويستدل لهذا ـ يعني : كراهة صنع أهل الميت طعاماً ـ بحديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال : “كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصَنِيْعةَ الطعام بعد دفنه من النياحة” رواه أحمد بن حنبل وابن ماجه بإسناد صحيح وليس في رواية ابن ماجه : (بعد دفنه)” أ.هـ .


والثاني :§ ما ذكره الموفق رحمه الله في : “المغني” (3/497) بقوله : “فأما صنع أهل الميت طعاماً للناس : فمكروه ؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم ، وشُغلاً لهم إلى شُغلهم، وتشبهاً بصنيع أهل الجاهلية . ورُوي أن جريراً وَفَد على عمر فقال : هل يُبَاحُ على مَيّتكم ؟ قال : لا . قال : فهل يَجْتمعون عند أهل الميت ويَجْعلون الطعام ؟ قال : نعم . قال : ذاك النَّوْح” أ.هـ .

 

فَـائِـدَةٌ :ـ
هناك قول آخر في المسألة حكاه المرداوي رحمه الله في : “الإنصاف” (6/264) بقوله : “وقيل : يحرم” أ.هـ . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ كما في : “مجموع الفتاوي” (24/316) ـ : ” وأما صنعة أهل الميت طعاماً يدعون الناس إليه : فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة ، بل قد قال جرير بن عبدالله رضي الله عنه : ” كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة” أ.هـ . ونصَّ ـ غير من سبق ـ على بدعية ذلك الأئمة ، ومنهم : ابن الحاج رحمه الله في : “المدخل” (3/275) ، والقرطبي رحمه الله في : “التذكرة” (1/158) ، والطرطوشي رحمه الله في : “الحوادث والبدع” (ص/170) . 

 

فَائـدَةٌ :ـ
يُسْتَحب أن يُصْلَح لأهل الميت طعام يُبْعَث به إليهم . قال في : “الإنصاف” (6/263) : “بلا نـزاع ـ أي : عند الحنابلة ـ وزاد المجد وغيره: (ويكون ذلك ثلاثة أيام) . وقال : ( إنما يُستحب إذا قُصِد أهل الميت . فأما لما يَجْتمع عندهم : فيُكْره ؛ للمساعدة على المكروه) انتهى ” أ.هـ .


وجزم بالاستحباب أيضاً الحنفية ـ كما في :”شرح فتح القدير” (2/151) لابن الهمام ـ ، والمالكية ـ كما في : “الشرح الكبير” (1/664) للدردير ـ ، والشافعية ـ كما في : “نـهاية المحتاج” (3/42) للشمس الرملي ـ لكنّهم ـ أي : المذاهب الثلاثة ـ خالفوا الحنابلة في جَعْل الاستحباب مُتَعَلَّقاً باليوم الأول ؛ وأما الحنابلة فهو عندهم مُتَعَلَّق بالأيام الثلاثة . والمقصود إشباعهم في ذلك اليوم أو الثلاثة أيام ، سواء أكان من جيرانـهم أم من أقاربـهم ؛ وإن بَعُدَت دارهم .


ودليل ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في : “المسند” (1/25) وأبو داود (برقم : 3132) والترمذي (برقم : 998) وابن ماجه (برقم : 161) من حديث عبدالله بن جعفر قال : لما جاء نَعْي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم : “اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد أتاهم ما يَشْغلهم” وحسنه الترمذي . وصححه الحاكم في : “المستدرك” (1/372) ووافقه الذهبي . قال علي القاري رحمه الله في : “المرقاة شرح المشكاة” (4/96) : “(فقد أتاهم) أي : من موت جعفر . (ما يشغلهم) بفتح الياء والغين . وقيل : بضم الأول وكَسْر الثالث . القاموس : شَغَلَه كمنعه شغلاً ، ويُضَم . وأشغله لغة جيدة ، أو قليلة أو رديئة . والمعنى : جائـهم ما يَمْنعهم من الحزن عن تهيئة الطعام لأنفسهم ، فيحصل لهم الضرر وهم لا يشعرون. قال الطِّيْبـي : (دل على أنه يستحب للأقارب والجيران تهيئة طعام لأهل الميت) أ.هـ . والمراد طعام يُشْبعهم يومهم وليلتهم ، فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول الطعام لا يَسْتر أكثر من يوم . وقيل : يحمل لهم طعام إلى ثلاثة أيام مدة التعزية ، ثم إذا صُنِع لهم ما ذُكِرَ سُنّ أن يُلِحّ عليهم في الأكل ؛ لئلا يَضْعفوا بتركه استحياء ، أو لفرط جزع . واصطناعه من بعيد أو قريب للنائحات شديد التحريم؛ لأنه إعانة على المعصية . واصطناع أهل البيت له لأجل اجتماع الناس عليه : بدعة مكروهة”أ.هـ .


ثم إن صُنْع الطعام لأهل الميت فيه من الحِكَم الجميلة ، والأخلاق الجليلة : الكثير . يقول ابن القيم رحمه الله في : “زاد المعاد” (1/528) : “وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن أهل الميت لا يَتَكلّفون الطعام للناس ، بل أمر أن يَصْنع الناسُ لهم طعاماً يرسلونه إليهم . وهذا من أعظم مكارم الأخلاق والشِّيم ، والحمل عن أهل الميت، فإنـهم في شغل بمصابـهم عن إطعام الناس” أ.هـ

 

والخـلاصة :
أن الجلوس في بيتٍ للعزاء مكروه كراهة تنـزيه في أصح قَوْلَيْ الفقهاء ، وعليه جمهورهم . وأما إن انضَمَّ إلى ذلك محرم ـ فيكون حراماً ، وتسقط الكراهة عند الاحتياج ، على ما قرره الفقهاء . والله أعلم .

 

 وكَتَبَ/

(صالحُ بنُ مُحمَّدٍ الأَسْمَرِيّ)
لَطَفَ اللهُ به

الدِّيارُ الحِجازِيَّةُ ببلادِ الحَرَمَين
حَرَسَها اللهُ

 

 

0 Responses

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *