عنوان: إبطال دلالة النص في حديث: “أعفوا اللحى”
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
زعم بعضٌ أن دلالة حديث: “أعفوا اللحى” نص -أي: لا يَحْتمل إلا معنى واحدا-في وجوب ترك شعر العارضين والذقن على حاله دون أخذ منه. ولا يُسَلَّم ذلك الزعم لقائله، ومن أوجه إبطاله وجهان:
الأول: أن في حَدِّ اللحية مذهبين:
أولهما: أن اللحية (اسم يَجْمع ما على الخَدَّين والذَّقَن من الشعر) -كما في: “المخصّص”(1/64)لابن سيده-، وهو المشهور عن جمهور الفقهاء
والثاني: أن (اللحية من الرجل الشعر النابت على الذَّقَن خاصة، وهو مَجْمَع اللِّحْيين) -كما في: “مغني المحتاج”(1/21)للخطيب الشربيني- وهو المعروف عن السادة الشافعية
والثاني: أن الإعفاء قد اختُلِف في معناه، ومنه ما قاله ابن السيد البَطْلِيوسي (ت/ 521هـ) رحمه الله تعالى-وهو من كبار علماء اللغة- في: “الإنصاف في التنبيه على المعاني والأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم”(ص/46) : “حديث: “أعفوا اللحى” قال قوم: معناه وفِّروا وكثِّروا . وقال آخرون: قصِّروا وأنقصوا. وكلا القولين له شاهد من اللغة…فهذا جملة من اللفظ المشترك الواقع على معان مختلفة متضادة” ا.هـ.
ثم إن راوي حديث: “أعفوا اللحى” ابن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ من لحيته، مما يُقوِّي أن معنى الإعفاء: الإنقاص لا الترك، يقول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى في “الاستذكار” (4/317) : “وفي أخذ ابن عمر من آخر لحيته في الحج دليل على جواز الأخذ من اللحية في غير الحج؛ لأنه لو كان غير جائز ما جاز في الحج …وابن عمر روى عن النبي : “وأعفوا اللحى” وهو أعلم بمعنى ما روى، فكان المعنى عنده وعند جمهور العلماء الأخذ من اللحية ما تطاير والله أعلم”أ.هـ. وحَمْل الإعفاء على التَّكْثير لشعر اللحية يَدْخل فيه معالجتها بما يُكَثِّرها ولم يقل به أحد من الفقهاء، يقول ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى – كما في: “فتح الباري”(10/364)- : “لا أعلم أحدا فهم من الأمر في قوله: “أعفوا اللحى” تجويز معالجتها بما يُغَزِّرها كما يَفْعله بعضُ الناس” ا.هـ.المراد.
هذا والله الموفق لا رب سواه
تمت بحمد الله