أركان الطاعة الستة

عنوان: أركان الطاعة الستة

بقـلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)

 

 

قال ابن القيم رحمه الله : (وحق الله بالطاعة ستةأمور, وهي: الإخلاص في العمل, والنصيحة لله فيه, ومتابعة الرسول فيه, وشهود مشهد الإحسان فيه, وشهود منة الله عليه فيه, وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله). [إغاثة اللهفان]

 

      
     الركن الأول: الإخلاص. قال تعالى:(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء).وقوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ). قال الفضيل بن عياض في هذه الآية: “أخلصه وأصوبه”. قيل: “يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟” قال: أن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم تقبل وإذا صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً؛ والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة”. ا.هـ

وهناك ثلاث وسائل معينة في تحقيق الإخلاص: 

     الأولى: استشعار قولة النبي صلى الله عليه وسلم التي ذكرها عنه محمد بن لبيد يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر, قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال: الرياء, يقول الله عز وجل لهم يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً).

     هذا الخبر الذي أخرجه أحمد في “مسنده”, يخيف العامل فيجعله مبتعدا عن الرياء .

     الثانية: الدعاء. فإن الدعاء مخ العبادة, أخرج أحمد في مسنده والأربعة إلا النسائي من حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة).والحضور في الدعاء شرط في القبول، وفي الحديث: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) رواه الترمذي.
     الثالثة: أن يدفع المرء أسباب الرياء والشرك, فإذا عرف الأسباب دفعها؛ فإن كان سببه الطمع في ثناء الناس فليذحه بسكين اليأس.

     الركن الثاني: النصيحة لله في تلك الطاعة. وهو تجريد العبادة من حظوظ النفس وهواها وما تشتهيه, والله أمر بالنصيحة له، فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الدين النصيحة ثلاثا قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم رواه مسلم .  فإذا طهرت هذه العبادة من جميع الشوائب وأبعدت حظوظ النفس عن هذه الطاعة وهوى الشيطان فإنها تصلح أن تقدمها قربانا بين يدي الله سبحانه. وهو داخل في إحسان العمل، يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في: “شرح الأربعين” : (فإن النصح لله يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها ، وهو مقام الإحسان ، فلا يكمل النصح لله بدون ذلك)

     الركن الثالث: أن تتابع في تلك الطاعة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله جل وعلا: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسولِ اللهِ أُسوةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجو اللهَ وَاليَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللهَ كَثيراً ) . وهو عائد إلى العلم قبل العمل؛ لذا لا بد من فقه الطاعة المراد فعلها قبل مباشرتها، وللمسلمين مذاهب فقهية يقلدونها كابرا عن كابر، فيها شرح الطاعات وبيان أحكامها

     الركن الرابع: أن يشهد المرء مشهد الإحسان في تلك الطاعة . وحقيقة الإحسان هو تجويد العمل وإتقانه, ويوصل إليه مقام الشهود أو مقام المراقبة كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)

     الركن الخامس : شهود منة الله عليك في تلك الطاعة. ثم مطالعة المنة تثمر ثمارا كثيرة من هذه الثمار الشكر لله.قال تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان:12)، قال ابن كثير:” أَنْ اُشْكُرْ لِلَّهِ ” أَيْ أَمَرْنَاهُ أَنْ يَشْكُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا أَتَاهُ اللَّه وَمَنَحَهُ وَوَهَبَهُ مِنْ الْفَضْل الَّذِي خَصَّصَهُ بِهِ عَمَّنْ سِوَاهُ مِنْ أَبْنَاء جِنْسه وَأَهْل زَمَانه ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ” وَمَنْ يَشْكُر فَإِنَّمَا يَشْكُر لِنَفْسِهِ ” أَيْ إِنَّمَا يَعُود نَفْع ذَلِكَ وَثَوَابه عَلَى الشَّاكِرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ” وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ”. وهذا مبني على أن الموفق للطاعة بدءا وامدادا هو الله، ( وما بكم من نعمة فمن الله ) [ النحل : 53)]وقال تعالى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) [ النساء : 79]

     الركن السادس: شهود مشهد التقصير في تلك الطاعة. فكل بني آدم خطاء وفي الحديث:

  «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون » رواه أحمد والترمذي وصحح سنده الحاكم. ويسهل ذلك اساءة الظن بالنفس، 

      يقول ابن القيم رحمه الله: (وأما سوء الظن بالنفس فإنما أحتاج إليه، لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش، ويلبس عليه، فيرى المساوئ محاسن والعيوب كمالا، فإن المحب يرى مساوئ محبوبه وعيوبه كذلك، فعين الرضا عن كل عيب كليلة *** كما أن عين السخط تبدي المساويا ـ ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه) .

 

 **مقتطف من محاضرة: [أركان الطاعة]

 


تمت بحمد الله 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *