عنوان: أدب الطالب مع الدرس
بقلم: (الشيخ صالح بن محمد الأسمري)
الأدب الأول:
تقديمُ الطالبِ حُسْن القصد ، وصِحَّة النية ، لأن ذلك أدعى أن يَنْتَفع بالدرس ، فقد أخرج الخطيب رحمه الله ، في :[ الجامع ] أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقول : ” إنما يَحْفَظ الرجل على قَدْر نيته”0
الأدب الثاني:
تَبْكيرُ الطالب إلى مَوْضِع الدرس قبل مجيء الشيخ ؛ لأن في ذلك تحصيلاً لتمام فوائد الدرس ، وطَرْداً لما قد يَرِدُ على الشيخ من ضَجَرٍ عند تأخُّر الطالب ، وفي ذلك يقول ابن جماعة رحمه الله في : [ تذكرة السامع والمتكلم ] : ” أن يَتَقَدَّم ـ الطالب ـ على المدرس في حضور موضع الدرس ولا يتأَخَّر إلى بعد جلوسه وجلوس الجماعة ” ، وقال : ” وقد قال السلف : ( من الأدب مع المدرِّس أن يَنْتَظره الفقهاء-أي: المُتفقِّهين- ، ولا يَنْتَظرهم “0
الأدب الثالث:
حضور الطالب الدرس على هيئة حسنة ، وطهارة كاملة ، مع تمام الأدب 0 وإلى ذلك نبَّه ابن جماعة رحمه الله في : [ التذكرة ] ، قائلاً : ” وينبغي أن يَتَأدَّب في حضور الدرس بأن يحضره على أحسن الهيئات ، وأكمل الطهارات ” ، وقال : ” ويُحَسِّن : جلوسَهُ ، واستماعَه ُ، وإيرادَهُ ، وجوابَهُ ، وكلامَهُ ، وخطابَهُ”0
الأدب الرابع:
اصطحاب الطالب معه الكتاب ، الذي يَسْتْشرِحُهُ على الشيخ ، لما لذلك من فوائد ، يقول ابن جماعة رحمه الله في : [ التذكرة ]!! ويُحْضِر ـ الطالب ـ كتابَهُ الذي يَقْرأ منه معه ، ويَحْمله بنفسه ، ولا يَضَعه حال القراءة على الأرض مفتوحاً ، بل يحمله بيديه ، ويقرأ منه ، ولا يقرأ حتى يستأذن الشيخ “0
وليحذر الطالب من المجيء بكتاب فيه شرح للمتن الذي يشرحه الشيخ ، لأن في ذلك انصرافاً عن الدرس إلى غيره ، فيُفَوِّت على نفسه فوائد ومسائل قالها الشيخ وهي غير موجودة في ذلك الكتاب 0
وربما أفضى ذلك بالطالب إلى أن يَسْتَعِيْدَ من الشيخ ما قاله ؛ فيُضجره ، وقد أشار ابن جماعة رحمه الله إلى ذلك حيث قال في : [ التذكرة ] : ” وينبغي أن لا يُقّصِّر في الإصغاء ، والتفهُّم ، أو يشتغل ذهنه بفكر أو حديث ، ثم يَسْتَعيْدُ الشيخ ما قاله ؛ لأن ذلك إساءة أدب “0
الأدب الخامس:
إحضار الطالب معه قلماً وورقاً ؛ حتى يُقيِّدَ ما يسمعه من : فوائد نفيسة ، ومسائل دقيقة ، وفروع وقواعد ، وقد أخرج الخطيب البغدادي رحمه الله في : [ تقييد العلم ] عن الخليل بن أحمد أنه قال : ” ما سمعت شيئاً إلا كتبته ، ولا كتبته إلا حفظته ، ولا حفظته إلا نفعني ” ، وأوصى ابن جماعة رحمه الله في : [ التذكرة ] طالب العلم بكتابة ما يسمعه في الدرس : ” من : الفوائد النفيسة ، والمسائل الدقيقة ، والفروع الغريبة ، وحل المشكلات ، والفروق بين أحكام المتشابهات ، من جميع أنواع العلوم ” ، ثم قال يرحمه الله : ” ولا يَسْتَقِلّ ـ الطالب ـ بفائدة يسمعها ، أو يتهاون بقاعدة يضبطها ، بل يُبادر إلى تعليقها وحفظها “0
وثَمَّ طريقة نافعة مُجَرَّبة في تقييد الدرس ، تتلخَّص فيما يلي :
ـ أولاً : حفظ الدرس عبر ما يسمى بـ ( المُسَجِّل ) ، حتى لا يَفُوتَ على الطالب شيء من الدرس ، ثم يُفرِّغُهُ ناسخاً له 0
ـ ثانياً : كتابة : رؤوس المسائل ، وأطراف الفوائد والقواعد ، أثناء الدرس ، ويُلْحَق بذلك : كتابة ما قد يَعْرض للطالب من إشكالات وسؤالات ، وبهذا يتحصَّل الطالب على فوائد :
* الأولى : حضور الذهن وتَيَقُّظه طوال الدرس ؛ لاشتغاله بتقييد أطراف مسائله وفوائده 0
* الثانية : تَفَهُّم الدرس ؛ لكتابة ما أشكل والسؤال عنه ، وهنا يَذْكر ابن جماعة رحمه الله أدباً مهماً فيقول : ” أن لا يستحي ـ الطالب ـ من سؤال ما أَشكل عليه ، وتفهُّم ما لم يَتَعَقَّد ، بتلطُّفٍ وحسن خطاب ، وأدب سؤال ” [ التذكرة ] ، ولذا قيل : ( منْ رَقَّ وجهه عند السؤال ، ظَهَرَ نَقْصُهُ عند اجتماع الرجال ) 0
* الثالثة : صناعة فهرست لأطراف مسائل الدرس وفوائده ، يُوْقِف الطالب على ما يريده مِنْ مَسائِلَ بَعْدُ ، وقد استحسن جَمْعٌ من أهل العلم كتابة تاريخ مجلس الدرس 0
الأدب السادس:
مذاكرة الطالب لمسائل الدرس وفوائده ، وإعادة ذلك وتكريره ، إما مع نفسه أو بعض مُلازمي الدرس ، وفي ذلك يقول ابن جماعة رحمه الله في : [ التذكرة ] : ” وينبغي أن يَتَذَاكر مواظبو مجلس الشيخ ما وقع فيه من الفوائد والضوابط والقواعد وغير ذلك ، وأن يعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم ، فإن في المذاكرة نفعاً عظيماً ” ، ثم قال يرحمه الله : ” فإن لم يجد الطالب من يذاكره ؛ ذاكر نفسه بنفسه ، وكرَّر معنى ما سمعه ولفظه على قلبه ؛ ليَعْلَق ذلك على خاطره ، فإن تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على اللسان سواء بسواء ، وقَلَّ أن يُفِلح من يَقْتَصِر على الفكر والتَّعَقُّل بحضرة الشيخ خاصَّة ، ثم يتركه ويقوم ولا يعاوده ” 0 ولذا كان بعض العلماء إذا عَلَّم إنساناً مسألة من العلم : سأله عنها بعد مُدَّة ، فإن وجده قد حفظها عَلِم أنه مُحِبٌّ للعلم فأَقبل عليه وزاده ، وإن لم يَرَهُ قد حفظها أعرض عنه ولم يُعَلِّمْه ، [ ذكره الخطيب في : ” الفقيه والمتفقه ” ] 0
الأدب السابع:
أن يَلْزَم الطالب حَلْقة الدرس ولا يَنْقَطع ، وقديماً قيل : ( مَنْ ثَبَتَ نَبَتَ ) يقول ابن جماعة رحمه الله في: [ التذكرة ] : ” أن يَلْزم ـ الطالب ـ حَلْقة شيخه في التدريس والإقراء ، بل وجميع مجالسه إذا أمكن ، فإنه لا يزيده إلا خيراً وتحصيلاً ، وأدباً وتفضيلاً “0
وَلْيَكُن الدرسُ صارفاً له عن غيره من العلائق والعوائد ، جاء في : [ الشَّقائق النُّعْمانيَّة ] لطاش كبرى زاده في ترجمة : ( مصلح الدين مصطفى ، الشهير بالبغل الأحمر ) : ” كان رحمه الله تعالى مُحِباً للعلم في الغاية ، وحافظاً لجميع المسائل ، مهتماً في اشتغال الطلبة ، صارفاً جميع أوقاته في التدريس ، حكى عَمِّي رحمه الله تعالى : أنه كان يُدَرِّس كُل يوم من عشرة كتب من الكتب المعتبرة ، وكان يَحْفَظ جميع المسائل لجميع العلوم ، قال : اشتغلت عنده مقدار سنتين ، وما قَدرتُ على ترك الدرس خوفاً منه ؛ لِشَدَّة اهتمامه 000 قال عمِّي رحمه الله تعالى : أتى خالي من بلدة قسطموني إلى مدينة أدرنه ، فأردنا ضيافته في بعض البساتين في يوم من أيام الدرس ، فاستأْذَنْتُ المولى ( مصلح الدين ) فغضِبَ عَلَيَّ ، وقال : جَعَلْتَ ذلك مانعاً عن الدرس ! ، ولأيِّ شيءٍ ما جَعَلْتَ الدَّرسَ مانعاً عنه ! “0
إضاءة:
* قال الإمام الماوردي رحمه الله تعالى :
” لا يُدرِك العلم من لا يُطيْلُ دَرْسَه ، ويكدُّ نَفْسَه ، وكثرةُ الدرس كَدٌّ ، لا يصبِرُ عليه إلا من يَرَى العلم مَغْنَماً ، والجَهَالَةَ مَغْرَماَ ، فَيَحْتَملُ تَعَبَ الدرس ، لِيُدرِك رَاحَةَ العلم ، ويَنْفي عنه مَعَرَّةَ الجهل ” 0[ أَدَبُ الدنيا والدين / ( ص65 ) ] 0
*قال العلامة الزُّرْنوجي رحمه الله تعالى:
“مَنْ تَأَذَّى منه أستاذُهُ يُحْرَم بَرَكَةَ العلم، ولا يَنْتَفِع به إلا قليلا”.]تعليم المتعلِّم(ص/42)[
تمت بحمد الله